الأمير عبدالعزيز بن سعد يرعى تخريج أكثر من (8400) طالب وطالبة بجامعة حائل    انخفاض أسعار الذهب    استشهاد (51) فلسطينيًا    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    مجلس الأعمال السعودي الأمريكي: زيارة الرئيس ترمب محطة مهمة في الشراكة الإستراتيجية    السوق السعودي جدير بالثقة العالمية    رؤساء كبرى الشركات الأمريكية: المملكة وجهة الاستثمارات والمشاريع المتقدمة    محافظ القريات يتفقد منفذ الحديثة ويطّلع على الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    أكد أنه رفع العقوبات عن سوريا بناء على طلبه.. ترمب: محمد بن سلمان رجل عظيم والأقوى من بين حلفائنا    السعودية رمز السلام    بداية إعادة رسم الخريطة الأمنية.. طرابلس تحت النار.. تفكيك مراكز النفوذ    ترأسا القمة السعودية – الأمريكية ووقعا وثيقة شراكة اقتصادية إستراتيجية.. ولي العهد وترمب يبحثان جهود تحقيق الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً    الاتحاد يسعى لحسم لقب"روشن" في بريدة    فناربخشة يعرض مبادلة النصيري ب» ميتروفيتش»    المعلّم والتربية الشعبية    "إهمال المظهر" يثير التنمر في مدارس بريطانيا    ضبط 3 وافدين لارتكابهم عمليات نصب لحملات الحج    سمو ولي العهد يصطحب الرئيس الأمريكي في جولة بحي الطريف التاريخي في الدرعية    "واحة الإعلام" تختتم يومها الأول بتفاعل واسع وحضور دولي لافت    حسين نجار.. صوت إذاعي من الزمن الجميل    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    أمير الشرقية يطلع على إنجازات وزارة الموارد في المنطقة    بمشاركة دولية واسعة من خبراء ومتخصصين في القطاع الصحي.. السعودية رائد عالمي في الطب الاتصالي والرعاية الافتراضية    "مؤتمر علمي" لترسيخ الابتكار في السعودية الاثنين المقبل    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم حج (1446ه)    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل لخدمة ضيوف الرحمن    الجوازات تكثف جهودها لاستقبال الحجاج    رئيس الشورى: المملكة تواصل دعمها لتعزيز وحدة الصف في العالم الإسلامي    أمير نجران يستعرض تقرير نتائج دراسة الميز التنافسية    تخريج 3128 خريجاً من الجامعة الإسلامية برعاية أمير المدينة    الأمير فهد بن سعد يرعى اليوم حفل جائزة «سعد العثمان» السنوية للتفوق العلمي في الدرعية    الرياض وواشنطن.. استثمارات نوعية عالية التأثير    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن دعم المملكة    المرأة السعودية.. جهود حثيثة لخدمة ضيوف الرحمن    حرس الحدود بمنطقة مكة المكرمة ينقذ (4) أشخاص بعد جنوح واسطتهم البحرية    أمير الرياض يستقبل سفير موريتانيا ومدير السجون    القمة الخليجية الأميركية.. توحيد الجهود لمواجهة التحديات    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تُدشّن أول نظام روبوتي مختبري من نوعه «AuxQ»    برشلونة أمام فرصتين لحسم لقب ال «لاليغا»    بندر بن مقرن يشكر القيادة بمناسبة تعيينه مستشارًا بالديوان الملكي بالمرتبة الممتازة    النصر يعادل الرقم القياسي في لقاء الأخدود    الأمير حسام بن سعود يرعى حفل تخريج 4700 طالب وطالبة من جامعة الباحة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران في زيارة لمدير عام التعليم بمنطقة نجران    نجران الولاء.. وقدوات الوفاء    الخارجية الأمريكية: ترمب يرى السعودية شريكا أساسيا بكل المجالات    العلاقات السعودية الأمريكية.. شراكة راسخة وآفاق واعدة    شاشة كبيرة لهاتف Galaxy Z Flip 7    إنفانتينو: السعودية ستنظم نسخة تاريخية من كأس العالم 2034    الاتفاق يُمدد عقد الشهري لمدة موسم    ملك البحرين يصل إلى الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    المعرض الدولي للمعدات والأدوات يستعرض الفرص في السوق البالغة قيمته 10.39 مليار دولار أمريكي    رئيس جمعية الكشافة يكرِّم شركة دواجن الوطنية لدعمها معسكرات الخدمة العامة    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لنظافة الأيدي" و "الصحة المهنية"    مدير عام فرع هيئة الهلال الأحمر السعودي بجازان يهنئ سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه بمناسبة تعيينهما    انطلاق منافسات "آيسف 2025" في أمريكا بمشاركة 40 طالبًا من السعودية    أطفالنا.. لسان الحال وحال اللسان    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأثير العولمة وتحرير الخدمات المالية في هيكلية القطاع المصرفي الخليجي . الآثار الايجابية لاتفاقية "الغاتس" 3 من 3
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 1999

تتميز الاتفاقية العامة للتبادل التجاري للخدمات غاتس بمعالجتها لجانبين، اولهما يضع اطاراً عاماً من القواعد التي تحكم التبادل التجاري للخدمات، وثانيهما يحدد الالتزامات القطاعية التي يتعين على الدول الأعضاء في الاتفاقية ان تتقيد بها.
ولقيت فكرة التواجد التجاري باتفاقية غاتس في بادئ الأمر معارضة من دول نامية كثيرة حتى تتفادى التنافس التنظيمي بين الاختصاصات الفضائية المختلفة في البلدان المعنية. وعلى رغم هذه التحفظات المبكرة، الا ان الالتزامات المجدولة كانت تميل في بعض الحالات الى التمركز في صيغة التواجد التجاري، ويبدو ان هذا مؤشر على ان هذه الدول تحاول استخدام اتفاقية غاتس كوسيلة لتشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر. اما في القطاع المصرفي حيث تكون الاجراءات التنظيمية مهمة، تجد الحكومات انه من السهل فرض اللوائح التنظيمية الخاصة به. ومن السمات الهامة لتعريف الخدمات التي تغطيها اتفاقية غاتس استبعاد الخدمات المقدمة في اطار ممارسة السلطات الحكومية، وتشمل جميع الخدمات المقدمة من قبل المصارف المركزية او مؤسسات النقد، اضافة الى الخدمات التي لا تقدم على أساس تجاري مثل صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد.
ومن المزايا الهامة للدول النامية في اتفاقية الغاتس، ان بعض موادها يشير الى امكان الاشتراك في تحرير الخدمات تدريجاً، وان يتحقق التقدم بمتطلبات التنمية بالتزامن مع التقيد بالتزامات محددة. وتلتمس الاتفاقية من الدول المتقدمة ان تتعهد بالتزامات معينة تهدف الى تعزيز قدرات عرض الخدمات وكفاءتها وتنافسيتها في الدول النامية. ويستلزم تحقيق هذه الاهداف اتخاذ بعض الاجراءات لتحقيق حرية الوصول الى الأسواق في القطاعات التي تهم البلدان النامية وأيضاً اتباع صيغ العرض المناسبة لها، مع اتاحة قدر اكبر من حرية الوصول الى قنوات توزيع التقنية الحديثة وشبكات المعلومات. وحتى يتسنى للدول النامية حرية الوصول الى المعلومات فان الصيغة التجارية حول عرض وتقنية الخدمات في الدول المتقدمة، ينبغي على هذه الاخيرة ان تنشئ نقاط اتصال مع الدول النامية.
نظراً الى ان كم المنافع المتحققة نتيجة تحرير التبادل التجاري للسلع كبير ومعروف، فهناك ايضاً ارتباط مباشر بين الانفتاح الاقتصادي والنمو الاقتصادي في الدول النامية. وأدى ما يسود العالم حالياً من تحرير اقتصادي الى تخفيضات كبيرة في اسعار تذاكر السفر بالطائرات وبعض خدمات الاتصال الهاتفي. ومن منظور اقتصادي، يمكن ان يكون لتحرير التبادل التجاري للخدمات المالية تأثير ايجابي قوي على الدخل والنمو الاقتصادي بفضل العوامل نفسها التي حققت مثل هذا التأثير في قطاعات اخرى. وتشمل هذه العوامل التخصص انطلاقاً من قاعدة المزايا المقارنة، ونشر المعارف والتقنيات الحديثة، وتحقيق اقتصادات الحجم. أيضاً يؤدي التحرير الاقتصادي الى تحسين أداء الوساطة المالية ويعزز التوزيع القطاعي الفاعل للموارد.
ويؤدي تحرير الخدمات المالية الى سهولة انسياب رؤوس الأموال، من الذين تتوافر لديهم امكانات، الى من يحتاجونها. وعلى ضوء ذلك فان بمقدور الدول التي لديها معدلات ادخار عالية، وعائد على الاستثمار منخفض نسبياً، ان تصدر رأس المال لترفع عائد استثماراتها، بينما بوسع الدول التي لديها كلفة فوائد عالية ان تقلل معدل التمويل، وبذا تتعادل اسعار الفائدة عبر الدول. ويعد تحسن مناخ الاستثمار الرابط الرئيسي بين التحرير والنمو الاقتصادي، نظراً الى ان كلاً من الدول المتقدمة والنامية التي تتمتع بقطاعات مالية مفتوحة نما بوتيرة اسرع من نظيراته التي ما زالت قطاعاتها المالية مغلقة. ووفقاً لبيانات البنك الدولي، يرجح للأثر الايجابي للتحرير على النمو الاقتصادي في الدول النامية ان يكون اكبر منه في الدول المتقدمة.
ومن اهم معالم التحرير المالي حقيقة انه سيفرض ضغوطاً على الحكومات لاتباع سياسات نقدية ومالية وسياسات متعلقة بأسعار الصرف تتسم بقدر اكبر من الحكمة. وإضافة الى ذلك، فان التحرير المالي سيؤمن حافزاً وافياً للحكومات لتنهي التدخلات المؤدية الى التشوهات في الأسواق المالية، ولتضع تشريعات شاملة للأسواق المالية تتسم بالمرونة والحكمة مع توفير الاشراف المناسب على هذه الاسواق. ويمكن لالتزام حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحرير الخدمات المالية والاصلاحات في الاقتصادات العامة والاصلاحات التشريعية ان يساعد على تحقيق المنافع المرجوة من عملية التحرير لجهة تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي والمالي. ومن شأن التخلص من التشريعات المشوهة للأداء المالي، مثل اعطاء اولوية في توزيع الموارد الاقتصادية لبعض القطاعات او لتمويل العجز الحكومي، ان يؤمن الارضية المناسبة لتحقيق استثمارات مجزية.
ويتطلب تحرير الخدمات المالية تقليص حجم التدخل المباشر في الأسواق المالية، لا سيما حينما لا يكون هذا التدخل مستهدفاً أوجه القصور بهذه الأسواق. وسيؤدي مثل هذا التطور الى تغيرات في تكاليف التمويل النسبية، حيث سيتم توظيف رأس المال بعيداً عن القطاعات الأقل انتاجية وفي تلك الاستثمارات التي تحقق اعلى عوائد. وبناء على هذا الترتيب، سترتفع معدلات تمويل بعض القطاعات التي كانت تدعم على حساب قطاعات اخرى، في حين ستنخفض هذه المعدلات في قطاعات مربحة اخرى. ومن ضمن التأثيرات الايجابية الاخرى لتطبيق اتفاقية غاتس ان صغار المستثمرين، او اولئك الذين لا تتوافر لديهم امكانات او قدرات اتصال جيدة، سيتاح لهم قدر افضل من حرية الوصول الى مؤسسات القطاع المالي، في حين لم يكن بمقدورهم الاقتراض في السابق الا عن طريق غير مباشر. ومن المفترض في السوق المالية المفتوحة التي تتسم بالكفاءة ان تؤثر على الادخار وبيئة الاستثمار وان تحسن توزيع الموارد الاقتصادية. وحينما تتوافر المنافسة الوافية بين المصارف، ويتم تحرير اسعار الفائدة، وتنشأ أدوات ادخارية جديدة، فمن المرجح ان ترتفع عائدات الاستثمار. كما يمكن المضي قدماً في تنفيذ المشاريع الضخمة التي تنطوي على درجة مخاطر عالية والتي يتوقع لها ان تحقق عائدات استثمار عالية بسهولة اكبر.
هناك طرق عدة يمكن من خلالها لتحرير الخدمات المالية ان يعزز كفاءة القطاع المالي، اذ يمكن للمؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي ان تستفيد من مزايا اقتصادات زيارة حجم الانتاج وان تتخصص وفقاً لمزاياها التنافسية. ويمكن ان تنشأ مؤسسات مالية متخصصة في بعض قطاعات السوق، مثل المصارف الاسلامية. وإضافة الى ذلك يمكن المصارف في دول مجلس التعاون الخليجي ان توسع نطاق الخدمات المرتبطة بمجال تخصصها لتستفيد من مزايا زيادة نطاق الانتاج. وتمكن بعض المؤسسات المالية في الدول الصناعية من ان يوسع اعماله لينتشر على نطاق العالم اجمع، حيث يؤمن لعملائه كافة حاجاتهم من الخدمات المالية. وستضطر المنافسة القادمة من المؤسسات المالية الدولية الى حلبة الاسواق المصرفية المحلية هذه الاخيرة الى تخفيض الهدر وتحسين ادائها وزيادة كفاءتها الانتاجية، كما قد ترغم المؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي على تحويل ما يتم من خفض للتكاليف الى العملاء، وقد يحدث ايضاً تراجع الفرق بين اسعار الفائدة على الاقراض وتلك التي على الودائع اي العمولات.
ومع تزايد التنافس العالمي نتيجة لتحرير الأسواق المالية، فمن المرجح ان تصبح المؤسسات المالية في المنطقة اكثر اهتماماً بمتطلبات العملاء، وان تقدم النصح لهؤلاء العملاء حول افضل تكوين لمحافظهم المالية لتفي بحاجاتهم المتباينة. وعلى سبيل المثال، يمكن للمودعين ان يستفيدوا من النصائح حول استراتيجيات الاستثمار التي تتنافس المؤسسات المالية على تقديمها املاً في الحصول على مدخراتهم. وسيؤدي فتح الاسواق المالية الى تأمين منافع كثيرة جراء نقل المهارات والتقنية المصرفية الحديثة والتي تشمل المعارف في الممارسات الادارية المتقدمة، وآخر المستجدات في الادوات المالية، والممارسات المحاسبية، ومعالجة البيانات، بيد ان مثل هذه المنافع يقتضي التواجد التجاري للمصارف الاجنبية. ومع ترجيح ان يزيد نطاق الادوات المالية المعروضة في اطار البيئة المالية المتحررة، سيتوافر للمستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي عدد اكبر من أساليب تنويع محافظهم المالية لتحقيق الأداء المالي الأمثل. ايضاً سيسهل على الشركات المحلية ان تختار افضل مزيج من الاسهم او السندات او القروض لتمويل نشاطاتها. وسيلجأ مزيد من الفاعليات الاقتصادية الى استخدام مشتقات الادوات المالية كتحوط ضد مخاطر تقلبات الفائدة او اسعار الصرف.
الآثار السلبية المحتملة لاتفاقية الغاتس
على رغم الفوائد الكثيرة العائدة من تحرير الخدمات المالية، إلا أنه ينبغي ادراك انه ينطوي على تكاليف تتعلق بمتطلبات التكيف مع الأوضاع المستجدة. ويتوقع للمصارف الأقل كفاءة والتي تدير عملياتها بكلفة مرتفعة ان تعاني من تزايد المنافسة العالمية. كما قد تتعرض الشركات والقطاعات التي كانت تستفيد سابقاً من افضلية الحصول على الائتمان المصرفي الى خسائر، وقد ينطوي انخفاض مردودات هذه الشركات والقطاعات على تكاليف اقتصادية في المرحلة الانتقالية. لذا قد يكون من الضروري استحداث شبكة أمان من نوع ما لمساعدة هذه الشركات والقطاعات على تحمل تكاليف الفترة الانتقالية.
ومن بين الكثير من التحفظات عن تحرير الخدمات المالية وآثاره السلبية هناك أربعة تحفظات جديرة بالاهتمام. أولها ان المؤسسات المالية الاجنبية تتمتع بقدر أكبر من الكفاءة مما سيجعلها تهيمن على قطاع العمل المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي، علماً ان مقولة ان المصارف الاجنبية أكثر كفاءة من المصارف المحلية ليست صحيحة دائماً، في حين ان تواجد المؤسسات المالية الاجنبية في مجال العمليات المصرفية الخاصة وبعض المنتجات الاستثمارية قد يدفع القطاعات المالية المحلية لتحقيق قدر أكبر من الكفاءة. وبالنظر الى ما تتمتع به مصارف دول مجلس التعاون الخليجي من إلمام بالأسواق المحلية وروابط وثيقة بالمنشآت التجارية والصناعية المحلية، فقد لا تشكل المؤسسات المالية الاجنبية تهديداً لها في قطاع الأعمال المصرفية للأفراد وللشركات، وإذا كانت المصارف المحلية تحتاج الى مزيد من الوقت لتتكيف مع التنافس المستجد، فيمكن أن يمرحل التحرير المالي على مدى زمني أطول. ويعد مدى استعداد الحكومات لتأمين الدعم للمؤسسات المالية الوطنية عاملا هاماً في مدى تحقيق اهداف تعزيز الكفاءة بواسطة الموارد المالية أكثر منه بواسطة فرض القيود على عملية التحرير المالي.
ويتعلق التحفظ الثاني باحتمال ان يقتصر نشاط المصارف الاجنبية على خدمة الشرائح المربحة من الأسواق المحلية. فعلى سبيل المثال، يمكن لعدم تأمين الخدمات المصرفية للأفراد في المناطق الريفية ان يكون له مردوده السيئ على الاقتصاد. بيد أنه ينبغي التمييز بين ما إذا كان عدم توافر الخدمات لهذه الشرائح ناجم عن ترتيبات حكومية أم عدم توافر البنية الأساسية والظروف الملائمة لتقديم الخدمة. وعلى سبيل المثال يسود الاعتقاد بأن عدم توافر بنية تشريعية مالية جيدة للفصل في الدعاوى في المملكة العربية السعودية يجعل من تأمين الاقراض لبعض شرائح السوق أمراً تكتنفه المخاطر. وإذا كانت هناك أسباب أخرى وراء الحاجة لتعزيز توافر الخدمات المالية في بعض الأسواق مثل كلفة تقديم الخدمة في بعض المناطق الجغرافية، فقد يكون من الأنسب استخدام الحوافز المالية عوضاً عن الإبقاء على السوق منغلقة. ويمكن ايضاً للحكومة ان تلجأ الى التزامات خدمية موحدة تنطبق على المؤسسات المالية المحلية والاجنبية على حد سواء لتحقيق الأبعاد الاجتماعية من دون التضحية بمزايا الكفاءة التي يؤمنها التنافس المقترح.
ويرتبط التحفظ الثالث بالتخوف من أن يؤدي تواجد عدد كبير من المصارف الاجنبية الى مفاقمة مشكلة تضخم القطاع المصرفي بما يزيد على الحاجة الفعلية من حيث عدد المصارف، بيد أن هذه المشكلة يمكن معالجتها بوضع الاجراءات والترتيبات التي تعجل بخروج المصارف الفائضة عن الحاجة من السوق. وحتى لا تترك سوق النشاط المصرفي تعج بالمصارف، قد يكون العلاج الأمثل هو السماح بعمليات الدمج المنظمة حيناً وليس تأمين الحماية للمصارف المحلية. ويشير التحفظ الأخير الى أن التحرير المالي يزيد من سوء وضع ميزان المدفوعات في البلاد. وحقيقة الأمر انه في البداية تنساب رؤوس الأموال الى داخل البلد المعني مع قيام المؤسسات الاجنبية بانشاء وترسيخ وجودها، ويرجح ان يكون لذلك تأثيره الايجابي على النمو محققاً مزيداً من الدخل الذي يمكن أن يعوض، بل يزيد عن الأرباح التي تحولها المصارف الأجنبية الى الخارج.
الخاتمة
على رغم ما ينطوي عليه التحرير الاقتصادي للخدمات المالية في الدول الخليجية من تحديات ماثلة للعيان، إلا أنه يتضمن أيضاً الكثير من المزايا الملموسة، فأولاً سيؤدي تحرير التبادل التجاري للخدمات الى تعزيز المنافسة وتحسين كفاءة أداء القطاعات، مما سيؤدي الى تقديم خدمات مالية تتسم بانخفاض كلفتها وتحسن نوعيتها وتزايد تنوعها. ثانياً، سيؤدي تحرير القطاعات المالية الى تحسين خدمات الوساطة المالية والفرص الاستثمارية من خلال تعزيز التوزيع القطاعي الفاعل للموارد، وأيضاً بتوفير آليات أفضل لادارة المخاطر واستيعاب الصدمات. ثالثاً، سيفضي تحرير الأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي الى تشجيع حكومات هذه الدول على تحسين ادارتها للسياسات الاقتصادية العامة، وسيدفعها الى انهاء التدخلات المؤدية الى التشوهات في الأسواق المالية، والى وضع التشريعات المرنة والملائمة للأسواق المالية مع تأمين الاشراف المناسب على عملياتها. وأخيراً، ان تحرير الخدمات المالية من خلال جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة وكذلك إعادة أرصدة المستثمرين الخليجيين من الخارج، يمكن أن يكون لهما تأثيرهما الايجابي على الدخل والنمو.
في حين ان المكاسب العائدة من عملية التحرير المالي تستلزم ان يتم ترسيخها بالنظم الاشرافية والتشريعية الملائمة، يبقى عدم استقرار التوجهات الاقتصادية الكلية وعدم كفاية البنية التشريعية والافتقار الى الاشراف الملائم من العوامل التي قد تؤدي الى تقويض ما يحققه التحرير المالي من منافع. كما ان تحرير التبادل التجاري للخدمات المالية قد يؤدي في بعض الظروف الى زيادة حدة المشاكل والصعوبات الموجودة أصلاً في القطاع المالي. ومن المهم ان اتفاقية غاتس تتيح للدولة العضو ان تتخذ الاجراءات التحفظية لحماية المستثمرين ولضمان سلامة واستقرار النظام المالي. أيضاً تسمح الاتفاقية باستخدام قيود غير تميزية موقتة على المدفوعات والتحويلات في حالات الاختلال الكبير في ميزان المدفوعات والمصاعب المالية الخارجية. وعلى ضوء ذلك، فإن المنافع المرجوة من التوقيع على اتفاقية غاتس، من خلال فتح الأسواق والتزامات المعاملة الوطنية، يمكن أن تتحقق لدول المجلس من دون ان تفرط في قدرتها على انتهاج سياسات اقتصادية كلية وتشريعية سليمة.
ويمكن للآفاق المستقبلية للمصارف في دول مجلس التعاون الخليجي ان تبدو معقولة على المدى المتوسط إذا كان بوسع هذه المؤسسات أن تتكيف مع ما توفره لها البيئة الجديدة من فرص، سواء ان تمثلت هذه الفرص في توسيع نطاق الخدمات المصرفية الاسلامية، أو تمويل المشاريع، أو نشاط التمويل الفردي. أما في مجال الخدمات المصرفية الخاصة، فمنطقة الخليج تؤمن فرصاً كبيرة لاستقطاب أموال الأثرياء بدول المنطقة، إذ يقدر عدد الأثرياء في المملكة العربية السعودية بنحو 120 ألفاً، وفي دولة الامارات العربية المتحدة بنحو 59 ألفاً، مجموع ثرواتهم 400 مليار دولار للدولة الأولى و160 مليار دولار للدولة الثانية. ويمكن لمصارف دول المنطقة ان تكون في مركز أفضل لتوجيه وإدارة هذه الأموال، التي تتجه حالياً الى الاستثمارات الخارجية، لو تسنى لها أن تصبح مؤسسات استثمارية فعالة ومميزة وفقاً للمعايير العالمية.
* كبير الاقتصاديين - البنك الأهلي التجاري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.