صدر حديثاً عن "دار بروبرويوس للنشر" في السويد ترجمة فريدة من نوعها لمعاني القرآن الكريم تمت مباشرة من العربية الى السويدية. والمميز في هذه الترجمة ان المترجم محمد قنوت برغستروم 79 عاماً الذي عمل على ترجمة معاني القرآن عشر سنوات متواصلة هو من أصل سويدي وكان اعتنق الاسلام بعد ان أنهى خدمته كسفير للسويد العام 1979 في المغرب، وقرر ان يقوم بمثل هذا العمل الضخم لبناء جسور تفاهم دينية وثقافية مع المجتمع الغربي. ولكنه لم يباشر بالترجمة على الفور بعد تقاعده بل انتظر سنوات عدة حتى تعمق في اللغة العربية اكثر وبدأ يشعر بواجب يجب ان يقوم به. يقول: "عندما قررت القيام بترجمة معاني القرآن الكريم اتصلت ببعض مسؤولي الجمعيات الاسلامية في السويد وطرحت تلك الفكرة عليهم ولمست من جهتهم بأن هناك حاجة ماسة لمثل هذه الترجمة". ويوضح محمد قنوت الحاجة المفتقده لترجمة كاملة في السويد، فبما ان الاسلام هو ثاني اكبر دين بعد المسيحية في السويد، فمن المفروض ان توجد ترجمة واسعة ومفصلة لمعاني القرآن الكريم. ويشير الى ان هذه الترجمة ستستفيد منها اجيال كثيرة من المسلمين السويدين والمهاجرين الاجانب في السويد الذين لا يتقنون العربية. ويركز برغستروم على انه شعر بمسؤولية تجاه الجالية الاسلامية في السويد عندما قرر القيام بهذا العمل: "قلت لنفسي بأنه يجب علي كمسلم ان أقدم شيئاً ينفع الدعوة الاسلامية في العالم، وكنت وقتها قد درست قواعد اللغة العربية اكثر. بدأت أصلاً بمحاولة ترجمة معاني السور الأخيرة في القرآن الكريم لأنها صغيرة ولا تحتوي على كلمات عدة. ولكن اكتشفت وقتها بأن تلك الكلمات القليلة كانت الأصعب لأنها مقتضبة ولكنها تتضمن عاصفة من المعاني والصور. اكتشفت بأن القرآن الكريم ليس كأي كتاب ديني آخر يتكلم فقط عن أشياء تاريخية أو يروي سيرة معينة، انما هو مضمون حيوي من الصعب اختصاره أو وصفه". وعلى رغم، الصعوبات التي واجهها محمد قنوت برغستروم، الذي شغل منصب السفير لبلده السويد في المغرب حوالى سبع سنوات، فقد ثابر على اكمال الرسالة التي آمن بها، وبدأ يستفيد من خبرته السابقة في الحقل الديبلوماسي: "عندما يعمل الانسان كممثل ديبلوماسي لبلده في دول اخرى، يصبح باستطاعته اتقان قدرة على ترجمة المواقف والشعور وليس فقط الكلمات المحكية والمكتوبة. جمعت كل قدراتي وبدأت الترجمة من دون ان أخاف الفشل وذلك لأسباب عدة منها انه لم يكن يوجد كتاب للمضمون القرآني مترجم مباشرة من العربية الى السويدية". من المعروف ان آخر محاولة لترجمة معاني القرآن في السويد كانت في العام 1917 وقام بها البروفسور سترستك، ولكن يقول محمد برغستروم عن تلك الترجمة بأنها لغوياً جيدة، ولكن المضمون غير كاف. ويشير بذلك الى ان القيام بترجمة الكلام من دون معانيه لا يعطي صورة كاملة عن مضمون النص، ويتكلم أيضاً عن جانب ديني في ذلك: "إن المحاولات التي جرت أخيراً للترجمة أتت عبر اشخاص ليسوا مسلمين. وأنا اؤمن بأن ترجمة معاني القرآن تكون أكثر تفهماً ودقة اذا أتت عبر شخص مسلم، لأنه يقرأ القرآن بفكر مفتوح وايمان يساعدان في اعطاء صورة قريبة جداً من المضمون الأصلي للكلمات القرآنية". ويتابع المترجم محمد قنوت، الذي يعيش اليوم في مدينة العراش في المغرب، حديثه ليشدد على أهمية اقتناع المترجم بالكلمات التي يترجمها خصوصاً ان كلمات القرآن ليست من صنع البشر، بل كلمات الهية. ولكن، كما هو معروف، عند القيام بترجمة لمعاني القرآن الكريم فمن المفروض على الانسان ان يتقن اللغة العربية. ولكن محمد قنوت لا يتكلم العربية بطلاقة ومع ذلك يقول: "أنا أوافق على ان ترجمة معاني القرآن الكريم مسؤولية كبيرة جداً، خصوصاً ان اللغة الغربية لغة سامية ولا دخل لها باللغات الجرمانية، وكل حرف أو تحريك ممكن ان يغير معنى جملة بكاملها، تماماً مثل لغة الحساب. ولكن عندما يبدأ الانسان في محاولة تفسيره وترجمته يصبح مثل السيناريو الذي يشدك ويجذبك لأن تأخذ موقفاً، وهذا ما حصل لي عندما بدأت. ولهذا ركزت على دراسة قواعد اللغة العربية منذ العام 1970، واستمريت في قراءة تفاسير وتحاليل عدة لبعض علماء الدين الاسلامي. وأنا الآن اتقن العربية التي تدرس مثل اللاتينية في المدارس، ولهذا لا أجيد التكلم بالعربية". ويشدد محمد قنوت على انه قرأ الكثير من الأدب العربي لكتاب حديثين أمثال الكاتب محمد علي الصابونجي، ويتحدث بشغف عن الاهمية الجغرافية التي ساعدته جداً في الاستمرار في الترجمة: "أنا لا زلت مستمراً في السكن في المغرب منذ عشرين سنة، ويوجد في المدينة التي أقيم بها العشرات من المشايخ الذين تناقشت معهم في التفاسير وساعدوني جداً في فهم بعض السور والمعاني، وهذا كان عاملاً آخر في مساعدتي". ويقول انه استعان بترجمة الكاتب محمد أسد يهودي الأصل اعتنق الاسلامي، توفي منذ 7 سنوات تقريباً للتفاسير النبوية التي قام بها الأخير من العربية الى الانكليزية. "ترجمة الكاتب محمد اسد للتفاسير ساعدتني كثيراً واستعنت بها قدر الإمكان، ولكن لم أنقل ما كتبه أسد مباشرة من الترجمة الانكليزية الى السويدية لأنه يوجد خطورة على ان تفقد الكلمات معانيها. إنما قرأت ما كتبه اسد واستعنت بها كمركز معلومات أفادني في فهم التفاسير أكثر. واستعنت من جهة اخرى بالذي قرأته شخصياً وفسرته". مشروع الترجمة لمعاني القرآن الكريم الذي كان حلم محمد قنوت وقد تحقق الآن حصل على دعم مادي من جهات عدة منها الحكومة السويدية التي قدمت لمشروعه حوالى 60 ألف دولار. وقامت السفارة السعودية في استوكهولم بعرض ان تتكفل المملكة العربية السعودية بالطبع والتكاليف المادية كلها ونشر نسخ الترجمة في جميع أنحاء العالم مجاناً ولكن بشرط ان تعرض ترجمة محمد قنوت على خبراء في اللغة في المملكة وذلك كان سيحتاج لبعض الوقت. والعرض نفسه قدمته السفارة الايرانية. ولكن برغستروم يقول انه كان متفقاً سلفاً وقبل العرض الذي قدم له من السفارتين مع "دار بروبريوس للنشر". ويقول برغستروم في حديثه أن الترجمة عرضت على علماء لغة في جامعة الأزهر وتمت الموافقة عليها. محمد قنوت برغستروم يخطط الآن للقيام بترجمة نوعية ثانية، وهي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤكد بأنه سيباشر هذا العمل في القريب العاجل.