من المتوقع أن يكلف الرئيس لحود اليوم سليم الحص تشكيل الحكومة الأولى بعد تولي الرئيس اللبناني الجديد مهماته. وستطوى، إلى حين، قصة امتناع رفيق الحريري الذي نال غالبية نيابية في الاستشارات، عن تشكيل هذه الحكومة. وستحمل الأيام المقبلة، مثلما ظهر مع بدء الاستشارات الجديدة أمس، مدحاً كثيراً لرئيس الحكومة المكلف واطراء لحسن خيار الرئيس لحود. ويكثر الحديث عن الايجابيات التي يوفرها تعاون هاتين الشخصيتين نظراً إلى التقارب الكبير بين نظرتي كل منهما للملفات الداخلية الحارة. لكن كل ذلك لا يلغي ان الحص الذي حافظ على موقف معارض لكل الحكومات التي شكلها الحريري كان من أشد المدافعين عن موقفه في تفسير المادة الدستورية المتعلقة بتكليف الشخصية التي تتولى تشكيل الحكومة، وهو التفسير الذي اعطاه الحريري كمبرر لرفض التكليف. أي أن الحص القريب جداً سياسياً من لحود، أظهر حرصاً كبيراً على اعلان تأييده للتفسير الذي اعطاه الحريري لمادة دستورية تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وعندما يقبل الحص التكليف يكون اعتبر ان المسألة ليست مطروحة، بعدما تكون حسمتها الاستشارات الحالية أو التطمينات الرئاسية المتكررة. وهذا يؤشر إلى أن قضية اعتذار الحريري عن عدم قبول التكليف تميل إلى أن تكون قضية سياسية أساساً، وليست دستورية. فالحريري فوجئ بتراجع التأييد النيابي له، بحسب الاستشارات، ومثل هذا التراجع في حساباته سينعكس على تشكيل الحكومة وعلى موقعه فيها، بما يعيد إلى رئيس الجمهورية سلطة كان اتفاق الطائف نقلها إلى مجلس الوزراء. كما سينعكس على سياسة هذه الحكومة التي لن يكون رئيسها مسيطراً على الثلث المعطل فيها. بكلام آخر، لن يكون الحريري قادراً على الاستمرار في سياسته التي انتقدها لحود في خطاب القسم، فيما يكون ممكناً لرئيس الجمهورية توجيه مجلس الوزراء عبر لعب الدور الأكبر في اختيار اعضائه، بعدما ضعفت مواقع رئيس الحكومة. وبدل ادراك طبيعة هذا التبدل السياسي، دفع الحريري الأمور إلى مداها الأقصى بالحديث عن مخالفة دستورية وعدم احترام روح اتفاق الطائف، مع كل ما يمكن ان ينطوي عليه ذلك من نسب نيات للعهد وهو لم ينه بعد اسبوعه الأول. وإذا كان مثل هذه الشكوك قد تغذت "من أجواء غير طبيعية"، منذ الخميس الماضي، أي بعيد خطاب القسم، على حد قول الحريري، فإن ذلك يؤكد طابعها السياسي، وليس الدستوري. وهنا يأتي دور الحص، كمعارض سياسي للحريري على قاعدة التمسك بالمؤسسات ودورها، ليكون بمثابة ضمانة بأن الممارسة المقبلة لن تكون على حساب مؤسسة من مؤسسات الدولة، خصوصاً داخل مجلس الوزراء، علما بأن الحص لم يتساهل في هذه المسألة يوم كان رئيساً لوزراء أقرب أصدقائه السياسيين الرئيس الراحل الياس سركيس.