من جديد، تعرضت مدينة بورتسودان، التي تُعد العاصمة المؤقتة للحكومة السودانية، لهجوم بطائرات مسيّرة استهدف أكبر قاعدة بحرية في البلاد، في تصعيد غير مسبوق ضمن النزاع المستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، أمس (الأربعاء)، إن أنظمة الدفاع الجوي تصدت بنجاح لهجوم بطائرات مسيرة حاولت استهداف قاعدة "فلامنغو" البحرية الواقعة شمال مدينة بورتسودان، مؤكداً إسقاط معظم الطائرات المعادية. وأضافت مصادر عسكرية أن المدينة شهدت دوي انفجارات متتالية لأكثر من نصف ساعة، في حين لم يتضح ما إذا كانت هذه الانفجارات قد وقعت بالقرب من القاعدة. ويأتي هذا الهجوم في اليوم الرابع على التوالي من الضربات التي تتعرض لها مدينة بورتسودان، والتي شملت هجمات بطائرات مسيرة أطلقتها قوات الدعم السريع، وتسببت في حرائق ضخمة في مستودعات الوقود الرئيسية، وألحقت أضراراً بالبوابة الأساسية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى السودان. وقالت شركة "أمبري" البريطانية للأمن البحري إن هجمات الثلاثاء شملت قصفاً لمحطة الحاويات في ميناء بورتسودان بطائرات مسيرة. كما طالت الضربات منشآت حيوية، من بينها محطة كهرباء فرعية، أحد الفنادق القريبة من المقر الرئاسي، والميناء نفسه، مما أدى إلى تصاعد أعمدة كثيفة من الدخان الأسود من مواقع التخزين القريبة من المطار. وأدى استهداف محطة الكهرباء إلى انقطاع التيار عن أجزاء واسعة من المدينة، بينما انتشرت وحدات من الجيش حول المباني الحكومية لتأمينها، في وقت أعربت فيه مصر والسعودية عن إدانتهما للهجمات، فيما عبّرت الأممالمتحدة عن قلقها العميق من تطور الوضع في بورتسودان. ويُعد هذا التصعيد الأخطر في المدينة منذ اندلاع الصراع قبل عامين، حيث كانت بورتسودان بمنأى نسبياً عن العمليات العسكرية، وأصبحت ملاذاً للنازحين، ومركزاً رئيسياً لعمل مسؤولي الحكومة والدبلوماسيين ووكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة. وتحذر الأممالمتحدة من أن استمرار استهداف المرافق الحيوية كمستودعات الوقود ومحطات الطاقة والمطار يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية، التي تصفها المنظمة بأنها الأسوأ في العالم، مع أكثر من 12 مليون نازح ونصف السكان على حافة المجاعة. وكان الجيش السوداني قد تمكن من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من وسط السودان، إلا أن قوات الدعم السريع ما تزال تسيطر على مناطق في الغرب والجنوب، وغيّرت تكتيكها في الآونة الأخيرة من التوغلات البرية إلى الهجمات الجوية باستخدام الطائرات المسيرة لاستهداف مواقع استراتيجية داخل الأراضي التي يسيطر عليها الجيش. وفي إقليم دارفور، تواصل القوات المسلحة السودانية تنفيذ غارات جوية على معاقل قوات الدعم السريع، خاصة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد بدورها مواجهات برية عنيفة في محاولة للسيطرة عليها. ويأتي كل ذلك وسط حالة من الجمود السياسي بعد فشل محاولات الانتقال إلى الحكم المدني، وهو ما كان سبباً رئيسياً في اندلاع الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع. ويؤكد محللون أن استمرار هذا التصعيد العسكري، خاصة في المناطق التي تؤوي النازحين والمنشآت الإنسانية، قد يدفع البلاد إلى مزيد من التدهور ويضعف فرص التوصل إلى حل سياسي في الأفق القريب.