تشهد الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع تصعيداً نوعياً بعد استخدام الطائرات المسيّرة كسلاح استراتيجي استهدف مطاري بورتسودان وكسلا، في مؤشر مقلق على تحول طبيعة الصراع من مواجهات ميدانية تقليدية إلى حرب مدن تعتمد على استنزاف البنية التحتية وشلّ مراكز القرار. في الساعات الأخيرة، استهدفت مسيرات تابعة لقوات الدعم السريع مطار كسلا شرق البلاد، غير أن المضادات الجوية تصدّت لها دون تسجيل خسائر، إلا أن هذا التطور لا يمكن قراءته كحادث معزول، بل يأتي ضمن سلسلة هجمات غير مسبوقة شملت مطار بورتسودان، محطة الكهرباء الرئيسية، فندق مارينا الواقع بالقرب من القصر الرئاسي المؤقت، ومستودعات الوقود ومواقع عسكرية حساسة. ولأول مرة منذ بداية الحرب في أبريل 2023، تنتقل قوات الدعم السريع إلى استهداف مدينة بورتسودان، المعروفة حتى وقت قريب بأنها "الملاذ الآمن" في الشرق، والتي أصبحت تمثل مركز الثقل السياسي للحكومة المعترف بها دولياً والمتحالفة مع الجيش. هذه الضربات، التي اعتمدت على طائرات مسيّرة، تشير إلى تحول في عقيدة "الدعم السريع" من التوسع الجغرافي إلى حرب ضرب العمق، وتغيير توازن الردع النفسي والعسكري. وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "قلقه العميق" إزاء الهجمات، معتبراً أنها تمثل "تطوراً مقلقاً يهدد المدنيين والعمليات الإنسانية"، خصوصاً أن المرافق المستهدفة تضم مستشفيات ومحطات كهرباء ومقار إيواء لنازحين. ومع وقوع عشرات القتلى والجرحى في قصف استهدف مخيم أبو شوك ومدينة الفاشر، يبرز خطر التدهور الإنساني إلى مستويات كارثية. وأصبح استخدام المسيّرات، التي تُستورد أو تُجمّع عبر دعم خارجي محتمل، أحد أسلحة "الدعم السريع" لتعويض خسائرها في الجبهات البرية، لا سيما بعد طردها من معظم وسط السودان. هذه التقنية الرخيصة نسبياً تمنح ميزة غير تناسبية في حرب تستنزف الجيش في أكثر من جبهة، لا سيما في دارفور، حيث يستمر الهجوم على مدينة الفاشر. وفي حال استمرت هجمات المسيرات على بورتسودان وكسلا، فإن الشرق قد يتحول من خط إمداد خلفي للجيش إلى جبهة قتال مفتوحة، ما يزيد من مخاطر التهجير والفوضى. وقد تزداد الضغوط الدولية على الفاعلين الإقليميين المتهمين بدعم أحد الطرفين، لا سيما بعد قطع العلاقات مع الإمارات. ما يجري في السودان لم يعد مجرد صراع على السلطة بين جنرالين،. إنه مشهد معقّد من حرب متطورة تتشابك فيها الطائرات المسيّرة مع الحسابات الإقليمية، والمساعدات الدولية مع معاناة المدنيين، فهجوم بورتسودان ليس مجرد استهداف لمطار، بل تحدٍ وجودي لسلطة الجيش وشرعية الحكومة.