تتقدم الدبلوماسية السعودية، بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مدلس الوزراء، إلى موقع اللاعب الأكثر حضوراً في تفكيك أزمات المنطقة وإعادة صياغة معادلاتها عبر نهج يقوم على إنهاء الحروب وصناعة الاستقرار لا إدارتها، فمنذ سنوات، رسخ ولي العهد مساراً سياسياً جديداً جعل من الوساطة والحلول التوافقية محوراً رئيسياً في الدور السعودي، معتمداً على شبكة علاقات دولية واسعة ومكانة شخصية تتيح له فتح الأبواب المغلقة وترغيب القوى المتصارعة في طاولات الحوار. وقد أثمرت هذه المقاربة عن تغييرات ملموسة في مشهد الصراعات الإقليمية، بداية من إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي وإلى مقعدها في الجامعة العربية، وهي خطوة انطلقت من مبادرة مباشرة لولي العهد تقوم على أن الحلول المستدامة لا تُبنى خارج الأطر العربية، وأن إصلاح الدولة السورية واحتوائها سياسياً هو الطريق الوحيد لوقف النزيف وإعادة تشكيل الأمن الإقليمي. ولقيت تلك المبادرة استجابة واضحة من الإدارة الأمريكية آنذاك بعد تنسيق شخصي مع الرئيس دونالد ترمب، في لحظة عكست حجم الثقة الدولية بنهج سموه ووزن المملكة كقوة توازن. ولم يقتصر هذا النهج على الأزمات العربية، بل امتد إلى صراعات معقدة مثل التوتر بين الهند وباكستان، حيث لعبت المملكة دوراً هادئاً وحاسماً في تخفيف حدة التصعيد. هذا النهج ذاته يتكرر اليوم في الملف السوداني، حيث بادر ولي العهد إلى طلب تدخل مباشر من الرئيس الأمريكي ترمب من أجل إنهاء الحرب التي انهكت السودان ودفعت شعبه إلى واحدة من أكبر مآسي القرن. المبادرة السعودية–الأمريكية الجديدة لم تأتِ كتفاعل آني، بل كامتداد لمسار طويل بدأته المملكة منذ اندلاع الأزمة السودانية، حين استضافت مفاوضات جدة وقدّمت مقاربة تقوم على وقف النار، وإعادة بناء المؤسسات، وتمكين العملية السياسية من استعادة زمام المبادرة. ولأن ولي العهد يدرك أن إنهاء الأزمات يتطلب توافقاً دولياً يوازي الثقل الإقليمي، جاء طلبه من ترمب ليشكل نقطة انعطاف، أعاد الاهتمام الدولي بالملف السوداني، وفتح الباب أمام تحركات دبلوماسية عربية وغربية تنظر إلى السعودية بوصفها القادرة على جمع الأطراف المتباينة على رؤية واحدة. الترحيب الإقليمي الواسع بالمبادرة أكد أن المملكة باتت تقدم حلولاً لا بيانات، ومساراً سياسياً لا شعارات، وأنها تملك القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص لإعادة البناء. ومع تزايد التقاطع السعودي–الأمريكي في الملفات الساخنة، تبدو مبادرة ولي العهد بشأن السودان مرشحة لأن تكون الأكثر تأثيراً منذ اندلاع الحرب، خصوصاً مع رسوخ قناعة دولية بأن الرياض، بقيادة سموه، أصبحت مركزاً لصناعة السلام لا نقطة مراقبة له.