على الرغم من أن حي الطندباوي الشهير في مكةالمكرمة، يرتبط مسماه بشجرة التنضبة، التي يستنفع منها القاصي والداني، سواء الإنسان أو الحيوان، إلا أن الحي بات بؤرة للأوجاع، الذي لا يؤذي سكانه فحسب، بل يمتد آثاره للآخرين سواء العابرين أو الزائرين. ربما لا يتوقع أحد أن الحي الذي يقع جنوبي غرب المسجد الحرام، كان مقصدا للمعتمرين والحجاج من خلال البئر الشهيرة التي امتد عمرها سنوات قبل أن تجف، لكن واقع الحال اليوم أن البئر ليست الوحيدة التي جفت، بل الخدمات هي الأخرى أضحت في جفاف، حسب تأكيدات عدد من الأهالي. داخل الحي، الذي جالت فيه «عكاظ»، يمكنك أن تجد الكثير من المخالفات، بعدما تحول إلى أوكار لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل، وربما الهاربين من العدالة، وما يشجع على ذلك، تلك المباني الآيلة والخربة والمهجورة التي تتمدد في الحي، والذي بات يرزح في المستنقعات، ناقلا الأمراض والوبائيات لكل من يقترب من الحي، ليختلط الحابل بالنابل بورش عشوائية، وتسيطر الممرات الضيقة على حال الحي، فيستغلها المخالفون في الهروب، وصولا إلى سفوح الجبال المطلة على المسجد الحرام. وفي الحي يمكنك أن ترى ما لم تره في أحياء أخرى، حيث مباسط بيع المواد الغذائية المنتهية صلاحيتها والخضار والفواكه المجهولة المصدر. وفي زاوية أخرى من الحي تستوقفك التلال من النفايات، التي يعتقد أهالي الحي أنه «ما باليد حيلة» من رميها في الشوارع على هذه الوتيرة، بعيدا عن الحاويات المحدودة، والمهترئة، فتبقى مكدسة لعدة أيام، حتى تصبح بؤرة لتكاثر الحشرات الضارة ومصدرا للروائح الكريهة دون استنكار من السكان أو امتعاض منهم، ليأتي موعد النبش، ويزيد الطين بلة، على ما تسببه تلك النفايات من أمراض وبائية تبقى على حالتها حتى يتم نبشها من قبل بعض الأفارقة، والذين يعملون على الاستفادة منها بتدويرها سواء كانت عبوات أو أثاثا أو ملابس مستعملة، أو حتى علب المشروبات الغازية. صادفنا سيدة تدفع عربة مليئة بأنواع مختلفة من الوجبات، يبدو أنها أفريقية، وفي الطريق وقفت لها سيارة لتملؤها بالوجبات الجاهزة للبيع، ليأتي السؤال حول صلاحية هذه الوجبات، ومدى خضوعها لأي أنواع من الرقابة. ولا يقتصر الحال على تلك السيدة، فالشوارع الخلفية في الحي يمكنك أن تعرف ما تخفيه كما يقولون «الجواب يظهر من العنوان»، حيث تكتظ عربات الباعة الجائلين بأصناف عديدة تعرض في وسط الأزقة الضيقة من الفاكهة والخضار وأصناف كثيرة مثل المعلبات المعدنية المنتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، والتي تباع بأسعار زهيدة تلامس المستوى المعيشي لسكان الحي من مختلف الجنسيات. وفي طرف آخر من الحي تستوقفك تلك المباني المجهورة والتي أصبحت مرتعا للكلاب الضالة ومأوى لمخالفي النظام، وربما «حسب البعض» باتت مخبأ لتجار السموم، حيث أوضح عدد من الأهالي أن تلك الأبنية المتهدمة والخاوية من السكان أصبحت مسرحا وبيئة مثالية للمخالفين واللصوص، حيث يتردد على تلك المنازل مجموعة من الشباب في أوقات الليل والظهيرة وسرعان ما يخرجون منها ولا نعلم ماذا يحاك داخل تلك المهجورة، مؤكدين أنهم يخشون على فلذات أكبادهم من شرور هذه الأوكار، ومن يتردد عليها أن تكون مسرحا للجريمة تهز الحي بأكمله. وطالب سكان الحي الجهات المعنية بالتحرك السريع لهدم تلك الأبنية العشوائية أو إحكام إغلاقها، حتى لا تستغل من بعض ضعاف النفوس من مجهولي الهوية لممارسة أعمالهم الإجرامية. ويؤكد الأهالي أن الحي معروف أنه يضم الكثير من الجاليات بين جنباته، خاصة العمالة المنزلية الذين يفضلون المنازل العشوائية في أعلى الحي، وهم يأمنون من الملاحقات، ويوفرون الكثير من غلاء الإيجارات. واعتبر العم صالح الخزاعي -75 عاما، والذي يسكن الحي منذ سنوات، أنهم مستاؤون جدا من أوضاع المساجد داخل الحي، خاصة بعد عمليات الإزالة، التي طالت الكثير من الأبنية، مبينا أن الأهالي يؤدون الصلاة حاليا في عدد من المصليات تبرع بها بعض المحسنين من أهالي الحي. وقال: للأسف المصليات بنيت من ألواح الصفيح والأخشاب، التي لا تدفع حرارة الصيف، ولا برد وأمطار الشتاء، كما أنها لا تحتوي دورات مياه، والبعض مازال يطارد عملية توصيل الكهرباء لتشغيل المكيفات الصحراوية ومكبرات الصوت. تاريخ الطندباوي.. شجرة وبئر أكد سراج صالح هوساوي، من مواليد الحي، أن التسمية تعود إلى شجرة التنضبة وهي شجرة زرعها الشيخ حسن بن بريمان اللويهق أحد أعيان وتجار مكةالمكرمة وحفر بجوارها بئرا عرفت باسم تلك الشجرة. وقال: إن والده رحمه الله أخبره أن هذه الشجرة كانت معلما لهذا الحي وكانت ترى من أماكن بعيدة من قبلة الدنيا وكانت مجمعا لقاصدي البيت العتيق وتعتبر المحطة الأخيرة للوصول إلى بيت الله الحرام، حيث يجتمع تحت ظلها الحجاج والمعتمرون وأهل الحلال من جهة الشام واليمن يرتاحون تحتها ويسقون ماشيتهم من هذه البئر التي كان ماؤها عذبا، ولكن للأسف قام أحد الجيران هداه الله بطمر هذه البئر ولم يعد لها أثر. وأضاف سراج عن تاريخ الآبار في حي الطندباوي، إن الحي يقع على بحر من المياه العذبة والتي يستعين الأهالي بهذه الآبار عند انقطاع مياه التحلية عن الحي، مبينا أن هناك بئر الهندي وهي من الآبار التاريخية إذ يقدر عمرها بأكثر من 200 سنة، ومازالت تفيض بمائها العذب إلى يومنا هذا، وقصة هذه البئر أن حاجا هنديا قدم لمكةالمكرمة لأداء فريضة الحج، وأراد أن يجعل له مبرة في سبيل الله بأطهر البقاع كصدقة جارية في بلدة يشح بها الماء. وأضاف، إن مياه هذه البئر مستفاد منها لسقاية حدائق شارع أم القرى حتى ميدان الدوارق (تقاطع شارع عبدالله عريف مع أم القرى)، كما أن هناك بئر ابن سليمان، وهي من الآبار التاريخية التي حفرها أحد تجار القصيم، ولم تنضب إلى يومنا هذا على الرغم من كثرة بناء الفنادق حول البئر. عمدة الحي: التالفة تزعجنا والبلاغات لم تجد يؤكد عمدة حي الطندباوي نايف الخزاعي، أن الحي يعاني من كثرة الورش الصناعية المخالفة لأنظمة العمل، بل إن بعضها لا يحمل تصاريح نظامية، وما يزيد الأمر سوءا، وجود السيارات المجهولة والتي أصبحت من سمات الحي، بعضها جاثم في الحي منذ أكثر من عامين، وهي تشكل خطرا محدقا بالحي وخاصة من بعض ضعاف النفوس وأصحاب السوابق، الذين ربما يستغلونها لأغراض إجرامية، وقد سبق التبليغ عنها عبر إدارة مرور العاصمة والذي باشر بسحب تلك السيارات ولكن سرعان ما تعود الكرة مرة أخرى. وبين أنها أيضا تشكل عائقا أمام وصول سيارات الخدمات إلى داخل الحي، مثل سيارات النظافة والدفاع المدني والهلال الأحمر، وتعيق أداء مهامها بالشكل المطلوب، وكذلك سيارات المواطنين في العبور من خلال شريان شارع جرهم والذي تصيبه بعض التجلطات، وتلبك حركة المرور لساعات طوال وخاصة في فترتي الصباح ووقت الظهيرة. ودعا الخزاعي، إلى المزيد من الحملات التفتيشية في الحي لحسم أمر هذه السيارات، قبل فوات الأوان.