أوضح إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم -في خطبة الجمعة- أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق، وأمرهم بعبادته، وبعث إليهم رُسُله رحمة بهم، وأنزل مع كل واحدٍ منهم كِتابًا لكمال الحُجّة والبيان، قال سبحانه: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بالحق". وقال: إنه لم يُنزّل من السماء كتابٌ أهدى من القرآن الكريم، فهو أحسنِ الأحاديث المُنزلة من عند الله، قال الله تعالى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَبًا مُتَشَبِهَا مَثَانِي"، ذاكراً أن الله تبارك وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه مجيدٌ، وكريمٍ، وعزيزٌ، وتحدّى الخلق بأن يأتوا بمثلِه، أو بمِثْلِ عَشْرِ سُورٍ منه، أو بمثل سورة منه، فصاحته وبلاغته ونظمه وأسلوبه أمرٌ عجيبٍ، بديع خارق للعادة. وبيّن أنه مع إعجاز القرآن الكريم فإن الله تعالى سهّل على الخلق تِلاوته، ويسّر معناه، فقال سبحانه: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ"، كما أن الإعجاز في معنى القرآن الكريم أعظمُ وأكثرُ من الإعجاز في لفظه، إذ هو قولٌ فصلٌ، مُشتملٌ على قواعد الدين، والدنيا، والآخرة، ففيه العقائد، والأحكام والتشريعات، والأخلاق، والقَصص، والأخبار، والمواعظ، وأُسُس السعادة والفلاح، آياته مُحكمة الألفاظ، مُفصَّلة المعاني وأضاف إنه لِعلوّ القرآن أعلى الله أهله إلى المراتب العالية، والمنازل الرفيعة، وعَظَّم حُرْمَتَهم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّ القُرّاء ويأتمنهم، ويحزنُ لِموتهم، وقَنَتَ على من قتلهم شهرًا، ولم يقنت على أحد زمنًا طويلًا إلاّ على من اعتدى عليهم، كما سار الخُلفاء الراشدون على توقير أهل القرآن وإجلالهم، ومعرفة قدرهم. وتابع أن الله لم يُنزل كتابًا من السماء فيما أَنْزَلَ من الكتب المُتعددة على أنبيائه، أكملَ ولا أَشْمَلَ ولا أَفْصَحَ وَلا أَعْظَمَ ولا أشرف من القرآن، وهو من فضْلِ الله ورحمته على العباد، من فرح به وبالإسلام فقد فرح بأعظم مفروحٍ به، وهما خَيْرٌ مِمَّا يُجْمَعُ مِنْ حُطَامِ الدُّنيا، وأموالها وكنوزها. ودعا إلى مُلازمة تلاوة كتاب الله تعالى، وتدبّر معانيه، مُذكرًا أن من أراد الهداية فعليه بالقرآن، ومن أراد الانتفاع به فليجمع قلبه عند تلاوته وسماعه، ويستشعر كلام الله إليه، فإنه خطابٌ منه للعبيد على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وليس شيءٌ أنفعُ للعبد في معاشه ومعاده، وأقربُ إلى نجاته من تلاوة القرآن.