في ظل الطفرة العقارية التي تشهدها السعودية، يبرز دور المطورين العقاريين كمحرك رئيس لتحقيق رؤية 2030، وتعكس الأرقام بوضوح أهمية المطورين العقاريين في المملكة، حيث شهدت السوق العقارية السعودية خلال النصف الأول من العام الحالي، تسجيل نحو 216 ألف صفقة، تجاوزت قيمتها 44.5 مليار دولار (167 مليار ريال)، في المقابل، امتدت صفقات النصف الأول من 2025 على مساحة واسعة بلغت نحو مليارَي متر مربع، مسجلة ارتفاعاً ملحوظاً عن مساحة صفقات النصف الأول من 2024 التي اقتصرت على 1.3 مليار متر مربع. لكن التحديات التي تواجه المطورين العقاريين السعوديين، مثل التأخيرات، التي وصلت نسبتها إلى 15 % في بعض المشروعات خلال 2024، علاوة على نقص الثقة بين المشترين والمطورين، تستدعي تقليب النظر في التجارب العالمية.. في هذا التقرير تسلط "الرياض" الضوء على أبرز التجارب العالمية في إدارة العلاقات مع المطورين، مع استلهام الدروس المستفادة للسوق السعودية. نظرة عامة على السوق يُعد سوق التطوير العقاري أحد أكبر الأسواق العالمية، حيث تقدر قيمته بنحو 654.40 تريليون دولار، مع توقعات بنمو سنوي مركب 2.69 %، ليصل إلى727.80 تريليون دولار بحلول 2030، ويشمل هذا الحجم التطوير السكني والتجاري والصناعي، مع تركيز متزايد على مشروعات البنية التحتية الرقمية مثل مراكز البيانات، وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يبلغ حجم السوق السكني 233.5 مليار دولار، بينما في الهند، يُتوقع أن يصل إلى تريليون دولار بحلول 2030، أما اليابان فقد شهدت قفزة بنسبة 23 % في الاستثمارات خلال النصف الأول من 2025، مسجلة أكثر من 26 مليار دولار، وتعكس هذه الأرقام تعافياً من الركود بسبب ارتفاع الفائدة، لكن انخفاضها في 2025 يعزز نشاط المطورين العقاريين. إسهامات النمو يُساهم قطاع التطوير العقاري بنسب تتراوح بين 5-20 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حسب كل دولة، ويُقدر الإسهام بنحو 7 % في الأسواق المتقدمة، مع توقعات بارتفاعه إلى 13 % في دول مثل الهند في 2025، وفي ألمانيا يصل إلى 20 %، بينما في أستراليا 13 %، وفي تايلاند 10 %، مما يجعل قطاع التطوير العقاري محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل ودعم الصناعات المرتبطة مثل البناء والتمويل، وفي 2025، يُتوقع أن يساهم النمو في آسيا بحوالي 40 % خاصة مع مشاريع المدن الذكية والاستدامة، وفي الهند، يُساهم القطاع ب7 % حالياً، ومن المتوقع أن يصل إلى 13 % بنهاية 2025، مدعوماً ب45.75 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. 1. الولايات المتحدة: الامتثال والتمويل المنظم أولى التجارب العالمية، تأتينا من الولايات المتحدة، حيث يخضع المطورون العقاريون لإشراف وزارة الإسكان والتنمية الحضرية، مع قوانين صارمة مثل قانون الإسكان العادل، وفي 2025، أدى خفض أسعار الفائدة إلى زيادة معاملات المطورين بنسبة 14 %، مدعومة بصناديق الاستثمار العقاري (REITs) التي وفرت سيولة للمطورين، مما قلل توقف المشروعات بنسبة 12 %، فيما نجحت "أمازون" في تطوير مراكز بيانات بفضل عقود الضمان، التي تحمي المشترين من خلال تحويل الدفعات المالية تدريجياً بعد إتمام مراحل البناء. التقييم: النظام الأمريكي فعال في حماية المشترين، لكنه يعاني من تكاليف إدارية مرتفعة تصل إلى 8 % من قيمة المشروع، وفي السعودية، حيث يعتمد برنامج "سكني" على دعم حكومي، يمكن تبني عقود الضمان لتقليل المخاطر، لكن مع تقليص البيروقراطية. 1. الصين: السيطرة الحكومية والإصلاحات منذ عام 2020، واجهت الصين أزمة عقارية كبرى، حيث أفلست 235 شركة تطوير عقاري بسبب ديون تراكمية، وفي 2025، انخفضت إيرادات السوق بنسبة 9.4 %، لكن سياسة "ثلاثة خطوط حمراء" للديون، وهي إرشادات تنظيمية مالية تقدمها الحكومة الصينية للمطورين، إلى جانب خفض الضرائب على المبيعات حتى أكتوبر 2025، عززت الاستقرار، مع زيادة مبيعات الوحدات شهرياً بنسبة 25 %، وعلى سبيل المثال، أجبرت الحكومة الصينية مجموعة إيفرغراند العقارية، على إكمال مشروعاتها عبر شركات إدارة الأصول. التقييم: التدخل الحكومي الصيني أنقذ السوق العقارية، لكنه قلل من مرونة المطورين، مما أدى إلى تباطؤ الابتكار، وفي السعودية، يمكن استلهام نموذج الرقابة الصينية، لكن مع إعطاء المطورين من القطاع الخاص مساحة أكبر للابتكار. 1. ألمانيا: الرقابة البيئية والشراكات المحلية في ألمانيا، تشرف الهيئة الاتحادية للرقابة المالية (BaFin) على المطورين العقاريين، وقد عززت القوانين الجديدة التي تتيح تقييمات الإهلاك الضريبي الفردية، عززت المعاملات السكنية إلى 4.5 مليار يورو في النصف الأول من العام الجاري، لكن ارتفاع التكاليف بسبب معايير الاستدامة تسبب في انخفاض الإنشاءات بنسبة 18 %، وعلى سبيل المثال، في برلين، نجحت شراكات بين المطورين والبلديات في إنتاج وحدات مستدامة، مع فرض عقوبات تصل إلى 5 % من قيمة المشروع على التأخيرات. التقييم: النموذج الألماني قوي في الاستدامة، لكنه يعاني من التكاليف البيئية المرتفعة التي قد لا تناسب الأسواق الناشئة، وفي السعودية، يمكن تطبيق الشراكات المحلية في مشروعات مثل الرياض الخضراء، لكن مع حوافز لتخفيف العبء المالي. 1. بريطانيا: الإصلاحات التنظيمية وحماية المشترين ينظم قانون سلامة المباني لعام 2022 المطورين في بريطانيا، مع ضريبة أمان جديدة بدأت في الخريف الماضي، وقد دعم انخفاض الفائدة إلى 3.75 % نمو المعاملات، لكن اللوائح البيئية منعت تأجير الوحدات منخفضة الكفاءة، وعلى سبيل المثال، قللت شركة Barratt Homes، وهي واحدة من أكبر شركات تطوير العقارات السكنية في المملكة المتحدة وتعمل في جميع أنحاء إنجلترا وويلز واسكتلندا، قللت النزاعات بنسبة 25 % بفضل لجان مراقبة مستقلة. التقييم: النظام البريطاني ناجح في حماية المشترين، لكنه يعاني من تأخيرات بسبب اللوائح المعقدة، وفي السعودية، يمكن لنظام "وافي" الاستفادة من لجان المراقبة لضمان جودة مشروعات مثل القدية. 216 ألف صفقة عقارية في المملكة بقيمة 167 مليار ريال 1. فرنسا: الاستدامة والإفصاح الإلزامي في فرنسا، يحظر قانون المناخ والمرونة لعام 2021 تأجير الوحدات منخفضة الكفاءة الطاقية من 2025، مع إلزامية الإفصاح عن تصنيف الطاقة، وقد انخفض الاستثمار بنسبة 30 % في 2025، لكن الإصلاحات الضريبية (رسوم 5 %) دعمت الاستقرار، وعلى سبيل المثال، تستخدم عقود CPI في باريس لنقل المخاطر إلى المقاولين، مما يضمن التسليم في الوقت، ومن خلال عقود CPI يتم تعديل أسعار المنتجات العقارية أو قيمتها بناءً على التغيرات في مؤشر أسعار المستهلكين، والذي يقيس معدل التضخم، وتستخدم هذه العقود في مجالات متنوعة مثل عقود الإيجار، والأجور، والدعم الاجتماعي، والسلع والخدمات لتحديد الزيادات السنوية في التكاليف أو المدفوعات، مما يعكس تغير تكلفة المعيشة وتكلفة الأعمال. التقييم: التركيز الفرنسي على الاستدامة مثالي، لكن التكاليف العالية تحد من النمو، وفي السعودية، يمكن تطبيق عقود مماثلة في مشروعات طموحة مثل "نيوم" مع تخفيف الضرائب. 1. سنغافورة: تناغم الشراكات الحكومية والخاصة ينظم قانون تطوير الإسكان المطورين في سنغافورة، مع خطة DMP 2025 للتنمية الحضرية، وفي 2025، بلغت المعاملات 179 مليار دولار، مع تسليم 90 % من المشروعات في الوقت بفضل شراكات هيئة الإسكان والتنمية، وعلى سبيل المثال، نجح مشروع بحيرة جورونغ بفضل حوافز للمطورين الملتزمين، وتعد منطقة بحيرة جورونغ مشروع تنموي ضخم في سنغافورة يستهدف أكبر منطقة أعمال متعددة الاستخدامات خارج وسط المدينة، بهدف توفير مساحات معيشة وعمل وترفيه متكاملة ومستدامة. التقييم: النموذج السنغافوري مثالي في الشفافية، لكنه يتطلب بنية تحتية رقمية متقدمة، وفي السعودية، يمكن تطبيق هذا النموذج في المدن الذكية مثل الرياض. 1. اليابان: الصناديق العقارية كلمة السر ارتفع الاستثمار العقاري في اليابان بنسبة 23 % في الربع الأول من 2025، مدعوماً بالاستثمار في صناديق الاستثمار العقاري، وارتفاع الأسعار بنسبة 2.7 %، ويشكل الأجانب 30 % من الاستثمارات (2.3 تريليون ين)، مع رقابة صارمة على الديون، وعلى سبيل المثال، نجحت شركة ميتسوي فودوسان، وهي شركة تطوير عقاري يابانية كبرى ولها عقارات منتشرة في جميع أنحاء العالم، في جذب استثمارات أجنبية بفضل الشفافية. التقييم: اليابان ناجحة في استقطاب الاستثمارات، لكنها تعاني من نقص العمالة، وفي السعودية، يمكن استلهام صناديق الاستثمار العقاري لجذب 100 مليار دولار بحلول 2030. أهم الاتجاهات العالمية للمطورين العقاريين: * الاستدامة والإسكان الأخضر: في ظل الضغوط المتزايدة لمواجهة التغير المناخي، يتحول المطورون نحو تصميم مبانٍ منخفضة الكربون تعتمد على الطاقة المتجددة. في أوروبا، يُتوقع أن تكون 50 % من المباني الجديدة "صفر انبعاثات" بحلول 2047، بينما في الهند، تُحقق المشاريع الخضراء عوائد استثمارية تصل إلى 15 %، وعلى سبيل المثال، في ألمانيا، يُلزم المطورون بتلبية معايير صارمة لكفاءة الطاقة، مما يرفع قيمة العقارات، وفي السعودية، يمكن لمشاريع مثل نيوم والقدية الاستفادة من هذا الاتجاه لتعزيز الاستدامة، خاصة مع هدف المملكة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060. * التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في التطوير العقاري، حيث يُستخدم للتنبؤ بأسعار السوق، وتصميم جولات افتراضية ثلاثية الأبعاد، وإدارة المباني الذكية باستخدام إنترنت الأشياء، وفي الولايات المتحدة، تستخدم شركات مثل "زيلو" للتسويق العقاري، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع المعاملات، وفي السعودية، يمكن للمدن الذكية مثل الرياض الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتتبع تقدم المشروعات وتقليل التأخيرات. * مراكز البيانات واللوجستيات: مع نمو الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، يزداد الطلب على مراكز البيانات والمستودعات اللوجستية، وعلى سبيل المثال، في الهند، يُتوقع أن تصل الاستثمارات في مراكز البيانات إلى 1.6 غيغاوات في 2025، مما يُحقق أعلى العوائد في القطاع، وفي اليابان، شهدت هذه المشاريع نمواً بنسبة 23 % في الاستثمارات، بينما في السعودية، يمكن لمشاريع التحول الرقمي في رؤية 2030، الاستفادة من هذا الاتجاه لجذب استثمارات أجنبية. * التطوير المختلط والإسكان الميسر: يُركز المطورون على مشاريع متعددة الاستخدامات تجمع بين السكن، والتجزئة، والمكاتب، مع التركيز على الإسكان الميسر للشباب وكبار السن، وعلى سبيل المثال، في أمريكا الشمالية، يشكل جيل الألفية الذين يمثلون 25 % من القوى العاملة، محركاً رئيسياً للطلب، وفي السعودية، يمكن لبرنامج "سكني" تطبيق هذا الاتجاه لتلبية احتياجات 1.5 مليون وحدة سكنية بحلول 2030، مع التركيز على الشراكات العامة والخاصة. * المرونة المناخية: مع زيادة الكوارث الطبيعية بنسبة 30 % في 2025، يُصمم المطورون مبانٍ مقاومة للفيضانات والحرارة الشديدة، وعلى سبيل المثال، في أستراليا، تُعد هذه المشاريع أولوية للمستثمرين، مما يرفع قيمة العقارات بنسبة 10 %، وفي السعودية، يمكن لمشاريع مثل الرياض الخضراء دمج هذه المعايير لضمان استدامة طويلة الأمد. * الاستثمار في الأسواق الثانوية: يتجه المطورون إلى مدن ثانوية مثل أوستن وناشفيل في الولايات المتحدة، بدلاً من الأسواق المشبعة مثل نيويورك، مع نمو استثماري بنسبة 7 %، وفي السعودية، يمكن تطبيق هذا على مدن مثل الدمام والخبر لتخفيف الضغط على الرياضوجدة. أبرز التحديات العالمية: 1. التأخير والديون: في الصين، أدت الديون إلى إفلاسات، بينما قللت صناديق الاستثمار العقاري الأمريكية التوقفات بنسبة 12 %. 2. الاستدامة: في ألمانياوفرنسا، رفعت اللوائح البيئية التكاليف بنسبة 15 %، لكن الحوافز خففت العبء. 3. النزاعات: في بريطانيا، قللت لجان المراقبة النزاعات بنسبة 25 %، بينما عانت الصين من نقص الشفافية. توصيات ومقترحات: تقدم التجارب العالمية دروساً متميزة، حيث تتفوق الولايات المتحدةوسنغافورة في الشفافية والتمويل، لكنهما تعانيان من البيروقراطية، أما الصين فهي قوية في التدخل الحكومي، لكنها تعاني من فقدان المرونة، بينما تبدو أوروبا (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) متميزة في الاستدامة، لكن التكاليف العالية تحد من النمو، فيما تعد اليابان نموذجاً للاستقرار، لكنها تواجه تحديات ديموغرافية. في السعودية، تكمن قوة السوق في دعم صندوق الاستثمارات العامة ونظام "وافي"، مما يجعل السعودية في وضع مثالي لدمج أفضل الممارسات، وعلى سبيل المثال، يمكن ل "نيوم" استلهام نموذج سنغافورة في الشراكات، بينما يستفيد "سكني" من حسابات الضمان الأمريكية، ومع ارتفاع الاستثمار الأجنبي بنسبة 20 % في 2025، يمكن للسعودية تحقيق نمو استثنائي إذا عززت الشفافية والاستدامة. 1. إنشاء منصة رقمية للشفافية: تطوير منصة مثل دبي لاند لتتبع تقدم المشروعات، مع استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالتأخيرات، مما قد يقلل النزاعات بنسبة 25 %. 2. نظام حوافز وعقوبات: تقديم تخفيضات ضريبية للمطورين الملتزمين، مع غرامات على التأخيرات تصل إلى 5 % من قيمة المشروع، لزيادة الالتزام بنسبة 20 %. 3. حسابات الضمان: فرض حسابات ضمان لحماية المشترين، مستوحاة من الولايات المتحدة، لحماية مليون مشترٍ في "سكني". 4. توسيع صناديق الاستثمار العقاري المستدامة: مع ربطها بالاستدامة مثل النموذج الياباني، لجذب 50 مليار دولار بحلول 2030. 5. لجان مراقبة مستقلة: إنشاء لجان مشتركة حكومية وخاصة لمراقبة مشروعات مهمة مثل القدية، مستوحاة من بريطانيا، لضمان الامتثال البيئي. 6. برامج تدريب: تدريب المطورين العقاريين على الاستدامة والتكنولوجيا، وهي برامج مستوحاة من سنغافورة، لرفع الكفاءة بنسبة 10 %.