يصعب على الكاتب أن يختار عنوان مناسب إذا كان موضوع المقال عن رجل يتسم بخصال حميدة عديدة، وهو بالفعل ما حصل معي عندما أردت أن أكتب عن هذه القامة الوطنية، احترت هل يكون العنوان مقروناً بمناصب الرجل؟ أم بإحدى صفاته الشخصية؟ أم بإحدى خصاله الطيبة المشهورة؟ فقررت أن يكون اسمه هو العنوان، وهو بحق عنوان لوحده. عرفت هذا الرجل منذ العام 1401ه فكان على وتيرة واحدة من الإخلاص والعمل الدؤوب وحسن التعامل ولين الجانب بعزة نفس وعند الضرورة وفي مواقف معينة تجده ذلك الشديد الصلب بهيبة القائد النادر وذلك من بعض مواقفه التي عايشتها معه ومع فريق العمل أثناء ترسيم الحدود مع دول الجوار وفي بعض المهام التي سبقتها. معالي الفريق الركن مريع بن حسن الشهراني، عسكري من الطراز الأول المتميز، أخلص في عمله، فكان محل ثقة القيادة العليا، جمع بين القيادة والتواضع وحسن الشفاعة فكان مضرب المثل في هذا الجانب، يكفيه في الإشادة ما قاله عنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله عندما قال: اعملوا مثل مريع أو التزموا الصمت، بل إن جملة: "حولوه على مريع" كانت الجملة التي يحب أن يسمعها كل من أراد طلباً من الأمير سلطان. مريع الشهراني رجل كريم ومعطاء وصاحب شفاعة مشهورة وقبلها كلها رجل دين يخاف الله في كل خطوة يخطوها، فمتى ما اجتمع الدين مع خصال العرب الحميدة فهذا والله من القلة النوادر التي تمشي على ظهر الأرض، فكيف إذا اجتمعت كلها مع رجل مثقف وقارئ نهم، له مكتبه صغيرة في مكتبه وحرص على أن يكون هناك مكتبة عامة أكبر للجميع في المساحة العسكرية، وهي حالة نادرة على مستوى القادة العسكريين، وله مجلس عامر يرتداه نخبة من أصحاب القلم والفكر وهو أشبه مايكون بصالون أدبي حافل برجال الثقافة والمعرفة مريع الشهراني ارتبط اسمه بالمساحة منذ كان ملازماً حتى آخر منصب له في المساحة كرئيس لهيئة المساحة العسكرية فكانت نموذجاً مشرفاً بفعل هذا الرجل العصامي الذي ارتقى بها وبمنسوبيها فكانت مميزة في كل النواح، تدرج بها من مكتب صغير في وزارة الدفاع حتى مبنى مستقل في شارع الضباب ثم مبنى أكبر في شارع عبدالله السليمان بحي السليمانية، حتى استقرت في المبنى الحالي الذي افتتحه سمو الأمير سلطان وحرص على أن تكون المساحة لعسكرية من ضمن الإدارات التي تحضي بزيارة الوفود الخارجية. لم يكن المبنى بكل تفاصيله هو الهدف الأخير للفريق مريع، بل الإنسان نفسه، فكان حريصاً على استقطاب المؤهلين سواء من العسكريين أو المدنيين فاهتم بالابتعاث الخارجي وحرص على الأجهزة الحديثة لتمكين المساحة العسكرية من القيام بأعمالها، وهذا ما حصلبالفعل وبامتياز منقطع النظير، وبفضل من الله ثم بفضله كان أكثر الضباط يحملون الدكتوراة أو الماجستير ومعظم الأفراد يحملون دبلوم أو أكثر من خارج المملكة، وهي من الحالات الاستثنائية على مستوى المملكة. ثم نال الثقة الملكية بتعيينه رئيساً لهيئة المساحة العامة والمعلومات الجغرافية فقام بتأسيسها وتحديد مهامها وهيكلتها فكان الرجل المناسب في المنصب المناسب مريع الشهراني رجل استثنائي، رجل دولة بمعنى الكلمة، كان فريق ركن ولكنه كان بمرتبة وزير في نظر كل من عرفوه. في آخر مهمة بعد ترسيم الحدود السعودية اليمنية، تشرفنا بالسلام على الأمير سلطان رحمه الله، واطلاع سموه على بعض الوثائق التي تم جمعها مع بعض الزملاء وكان لي الشرف في ترتيبها وتبويبها وتجليدها وتحت إشراف مباشر من (اللواء) الدكتور محمد بن يحيى الصايل الرئيس الحالي لهيئة المساحة العامة والمعلومات الجيومكانية، فأراد الفريق مريع الحديث واقفاً، إلا أن الأمير سلطان وبكل اريحية وتقدير أصر على جلوس الفريق مريع قائلاً: اجلس يا أخ مريع كررها مرتين، ولم يدعه يتحدث واقفاً. الفريق مريع لديه من معلومات حدود المملكة العربية السعودية البرية والبحرية مالا يعرفه أحد غيره، ولم أعرف طوال حياتي ومما سمعت من المختصين أحد يعرفها أكثر منه ومن الأستاذ أحمد الغزاوي رحمه الله، إلا أن الفريق مريع جمع بين معرفة الحدود ومعرفة بعض الأمور السياسية الأخرى. أتمنى ومن كل قلبي أن يكون معالي الفريق مريع الشهراني قد دوّن بعض من ذكرياته وشيئاً من حياته العملية ومسيرته الحافلة أو أن يقوم بهذه الخطوة حتى وإن لم تنشر إلا بعد عقود، رجل عاصر مراحل ترسيم الحدود مع جميع الدول المجاورة وكان أبرز رجال مرحلتها، بل حتى الحدود البحرية هو أعلم من غيره فيها، وقد لا يعرف الكثير بأنه كان رئيس الوفد السعودي مع الجانب المصري لترسيم الحدود البحرية منذ زمن طويل. واثناء قيامي بجمع مادة كتابي الاول "سؤال وجواب" مئات الأسئلة الثقافية عن المملكة العربية السعودية قبل حوالي ثلاثين عاماً عرفت أن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتين من خلال ما اطلعت عليه من وثائق، فدونتها في ذلك الكتاب. اسأل الله العلي القدير أن يمتعه بصحته وأن يمد في عمره على الطاعة، وأن يجعل كل عمل قام به في ميزان حسناته، ويكفي كل محبيه تلك الكلمات الصادقة المعبرة التي قالها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز عندما زاره قبل فترة في المستشفى العسكري ليطمئن على صحته جرّاء العارض الصحي الذي ألّم به. كتبه/ حسين بن علي الفهري