تقف الولاياتالمتحدة اليوم أمام اختبار إستراتيجي غير مسبوق، يتمثل في سباق الذكاء الاصطناعي مع الصين، وهو سباق لا يحدد فقط من سيتصدر المشهد التكنولوجي، بل من سيقود الاقتصاد العالمي ويحدد ملامح القوة الجيوسياسية في العقود المقبلة. ورغم أن واشنطن كانت السبّاقة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن مؤشرات حديثة تكشف أن هذا التفوق بات مهددًا ما لم يتحرك الكونغرس بشكل عاجل لمعالجة اختلالات هيكلية عميقة. تحذيرات التآكل وتشير نتائج مشروع الحافة الأمريكية إلى أن الولاياتالمتحدة، رغم امتلاكها مزايا مبكرة، ليست في موقع يضمن لها الفوز على المدى الطويل. فالصين تتحرك بوتيرة أسرع وبإستراتيجية أكثر تماسكًا، مستندة إلى رؤية تعتبر الذكاء الاصطناعي مشروعًا وطنيًا شاملًا، لا مجرد قطاع تقني. وهذا الفارق في المقاربة ينعكس مباشرة على قدرة كل طرف على تحويل الابتكار إلى قوة اقتصادية وعسكرية مستدامة. نقطة الاختناق ويُعد قطاع الطاقة أحد أبرز مكامن الخلل في الاستعداد الأمريكي لثورة الذكاء الاصطناعي. فالصين تنتج حاليًا ضعف كمية الكهرباء التي تنتجها الولاياتالمتحدة، وتخطط لزيادة قدرتها الإنتاجية بنسبة 60 % بحلول عام 2040. في المقابل، تعاني البنية التحتية الأمريكية من تقادم واضح، إذ إن نحو 70 % من خطوط نقل الكهرباء يزيد عمرها عن 25 عامًا، وحصلت شبكة الطاقة على تقييم متدنٍ من الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين. والطلب المتزايد من مراكز البيانات وأنظمة الحوسبة المتقدمة يفاقم الضغوط، في وقت تتعثر فيه آلاف مشاريع الطاقة بانتظار الموافقات التنظيمية، وترتفع تكاليف المعدات الأساسية بشكل حاد، ما يهدد بزيادة انقطاعات الكهرباء على نطاق واسع خلال السنوات المقبلة. الحوسبة و التوريد ورغم أن الشركات الأمريكية لا تزال تهيمن على نحو 75 % من قوة الحوسبة العالمية للذكاء الاصطناعي، وتمتلك تفوقًا واضحًا في رقائق المعالجة المتقدمة، فإن هذا الامتياز يبقى هشًا دون بنية تحتية داعمة. فالاعتماد على سلاسل توريد خارجية، خصوصًا في المحولات وتوربينات الغاز، يضعف قدرة الولاياتالمتحدة على التوسع السريع، ويمنح الصين نفوذًا إضافيًا بوصفها أكبر مصدر لهذه المدخلات الحيوية فجوة المواهب وتتسع الفجوة في رأس المال البشري بين البلدين، إذ تخرّج الصين أعدادًا ضخمة سنويًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما تكافح الولاياتالمتحدة للحفاظ على وتيرة مماثلة. وعلى مستوى التطبيق، تتقدم بكين في تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع نسب استخدام أعلى داخل مؤسساتها مقارنة بنظيراتها الأمريكية. هذا التوسع لا يقتصر على الداخل الصيني، بل يمتد إلى تصدير منظومات رقمية ترسخ معايير رقابة ومراقبة في الأسواق الناشئة. انعكاسات أمنية وخسارة سباق الذكاء الاصطناعي لا تعني تراجعًا اقتصاديًا فحسب، بل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي. فالتفوق الصيني المحتمل سيترجم إلى سيطرة على تريليونات الدولارات من القيمة الاقتصادية، واعتماد عالمي متزايد على تقنياتها، فضلًا عن تفوق عسكري قد يقوض توازن القوى الدولي. اختبار القرار ويرى خبراء أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي يجب أن يرتقي إلى مستوى أولوية البنية التحتية الوطنية. ويشمل ذلك تقنين خطة عمل شاملة، وتسريع إنتاج الطاقة بمزيج متوازن من المصادر، وتحديث شبكة الكهرباء، وتوطين سلاسل التوريد، ومعالجة نقص الكفاءات عبر التعليم والهجرة وإعادة التأهيل المهني. التأجيل أو الاكتفاء بالدراسات، في ظل تسارع الصين، قد يكلف واشنطن موقعها القيادي. تشتت الفيدرالية وأحد الفوارق الجوهرية بين المقاربتين الأمريكيةوالصينية يتمثل في طبيعة الحوكمة. ففي حين تدير بكين ملف الذكاء الاصطناعي من خلال مركزية صارمة تضمن توحيد السياسات وتسريع التنفيذ، تعاني الولاياتالمتحدة من تشتت القرار بين المستويات الفيدرالية والولايات، وتداخل الصلاحيات بين الهيئات التنظيمية. هذا الواقع يؤدي إلى تباطؤ مشاريع البنية التحتية، واختلاف المعايير التنظيمية من ولاية إلى أخرى، ما يخلق بيئة غير مستقرة للاستثمار طويل الأجل في تقنيات الذكاء الاصطناعي. ودون إطار فيدرالي موحد يحدد الأولويات ويوجه التمويل ويقلص التعقيدات البيروقراطية، ستبقى القدرات الابتكارية الأمريكية أسيرة فجوة التنفيذ، مهما بلغ تقدمها التقني أو حجم إنفاقها على البحث والتطوير. أسباب محتملة لخسارة أمريكا سباق الذكاء الاصطناعي تقادم البنية التحتية للطاقة وعجزها عن تلبية الطلب المتسارع. بطء الإجراءات التنظيمية وتعقيد أنظمة الترخيص. الاعتماد على سلاسل توريد خارجية في مكونات حيوية. اتساع فجوة المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا. تباطؤ تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق مؤسسي واسع مقارنة بالصين.