أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن استراتيجية جديدة شاملة للفوز بسباق الذكاء الاصطناعي العالمي. بنظرة سريعة للتقرير ستصل إلى مفارقة مهمة، حين تقترح الحكومة إلغاء تنظيم الذكاء الاصطناعي وتغفل عن التحديات الأساسية لإعادة تدريب القوى العاملة، فإن الأمر يستحق السؤال: هل هذه خطة للفوز بالسباق، أم مجرد الركض بسرعة في الاتجاه الخاطئ؟ الاستثمار في البيئة التقنية ليس أمراً جديداً ولا الغفلة عنه كذلك. عندما أطلق الاتحاد السوفيتي سبوتنيك في العام 1957، لم ترد واشنطن برفع القيود التنظيمية ولكن باستثمار منهجي في مؤسسات مثل ناسا وداربا. في المقابل، حاولت المملكة المتحدة في الثمانينيات القفز إلى عصر الحوسبة بخفض الإجراءات الروتينية منتظرة يد السوق الخفية لتأخذ بزمام المبادرة، لكنها لم تنجح. كما لم تنجح أوروبا في تنظيم الذكاء الاصطناعي عندما كان وادي السيليكون هو من يكتب قواعد اللعبة. لا إلغاء القواعد التنظيمية لوحده ينفع ولا تطبيقها لوحده ينفع أيضاً. لنأخذ موجة التحرير في الهند في التسعينيات. صحيح أن إلغاء الضوابط التنظيمية ساعد في نمو قطاع التقنية، إنما ما دفع النمو حقاً هو عقود من الاستثمار الحكومي في البنية التحتية للاتصالات والبحث والتطوير. ما تمثله الخطة الأميركية الجديدة هو دفع لتسارع السوق في غياب البناء المؤسسي الذي جعل التحولات الوطنية الأخرى تمد جذورها في الاقتصاد. تتحدث خطة عمل الحكومة الأميركية عن الحاجة إلى البنية التحتية لصناعة الرقائق والخدمات السحابية. لكنها تغفل عن تدريب القوى العاملة، وتأمين سلاسل التوريد، وحوكمة الذكاء الاصطناعي؛ كل ذلك يتطلب صبراً لبنائه إلى حد الملل يصاحبه نقص تمويلي حاد في البيئة الأكاديمية وأجهزة تنظيم المعايير العامة. لا يمكن الاستعداد لعصر الذكاء الاصطناعي بخيال قاصر ورؤية ضيقة وخطة مليئة بالثقوب. يمكن وصف الوثيقة الصادرة مؤخراً بمحركات قوية تدور دون كوابح. ستجد محركات مثل صناعة الرقائق ومراكز البيانات لكن لن تجد كوابح كالضوابط التنظيمية والحوكمة المؤسسية. تريد الولاياتالمتحدة قيادة العالم في وقت قصير بالذكاء الاصطناعي، لكن السرعة وحدها لا تكفي. لابد من الثقة ببنية المؤسسات أولاً. إذا كنا انتقدنا قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي لبطئه، لكنه يؤسس لبنية تنظيمية صلبة بدءاً من المجتمع والحوكمة مروراً بالاقتصاد. نموذج الصين في المقابل، نموذج صارم يفرض من أعلى إلى أسفل، في تنسيق ينفذ بلا تردد. تأتي الولاياتالمتحدة على النقيض، حيث تركت البوصلة في يد الحكومة تدور وعلى المؤسسات العامة والخاصة بطريقة ما أن تجد طريقاً مشتركة لهم جميعاً. خطة الحكومة الأميركية تعد بالفوز بالسباق، لكنها لم تأخذْ في الاعتبار ظروف السباق. يحتاج العداؤون إلى فرق للدعم، فإن تعثرت في اللفة الأولى فلن تجد مؤسسات جاهزة تقيل عثرتك، لتصبح السرعة بلا معنى. الخطأ أن يُنظر للذكاء الاصطناعي كما لو كان سباق مئة متر، وهو في حقيقته ماراثون اختراق الضاحية.