في تحول مفاجئ وسط أتون أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم؛ وفق توصيف الأممالمتحدة، أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الجمعة، أن أكثر من 1.3 مليون نازح سوداني عادوا إلى ديارهم خلال الأشهر الأخيرة، رغم هشاشة الوضع الأمني، وتدهور البنى التحتية في المناطق التي غادروها هرباً من الحرب. وأشارت المفوضية، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، إلى أن معظم هؤلاء العائدين توجهوا إلى ولايات الخرطوم وسنار والجزيرة، وهي مناطق شهدت دمارًا واسعًا جراء القتال المستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقال المدير الإقليمي للمفوضية مامادو ديان بالدي: إن"هناك تزايداً في أعداد النازحين داخلياً ممن قرروا العودة إلى ديارهم، رغم أنهم لا يملكون شيئاً تقريباً يعودون به". وأضاف من نيروبي: "نحو مليون نازح داخلياً عادوا إلى مناطقهم الأصلية خلال الأشهر الماضية". من جانبه، أشار المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة عثمان البلبيسي، إلى أن موجة العودة الكبرى بدأت مع مطلع عام 2025، حيث تسارعت التدفقات نحو الخرطوم منذ مارس، بعدما سبقتها تحركات إلى مناطق أخرى أقل تضرراً. ورغم أن القتال هدأ في بعض المناطق، إلا أن وكالات الأممالمتحدة حذّرت من أن الظروف لا تزال محفوفة بالمخاطر، حيث البنية التحتية الصحية والتعليمية مدمرة أو خارجة عن الخدمة، والكثير من المنشآت تم تحويلها إلى ملاجئ جماعية، فضلاً عن الانتشار الخطير للقنابل والذخائر غير المنفجرة في الأحياء السكنية. ومن بين التحديات الكبرى التي تواجه العائدين، فقدان أو تلف وثائق الأحوال المدنية، وهو ما يحرم آلاف المواطنين من الحصول على الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية والتعليم والدعم الإنساني. كما أن غياب آليات فعالة لإعادة إصدار هذه الوثائق يهدد بإطالة معاناتهم وتهميشهم داخل وطنهم. ورغم أن وتيرة العودة تمثل تطورًا لافتًا في المشهد السوداني، إلا أن الأممالمتحدة حذّرت من خطورة هذه العودة غير المنظمة في ظل شحّ التمويل الإنساني وانهيار الخدمات، حيث تتوقع المفوضية عودة نحو 2.1 مليون شخص إلى الخرطوم وحدها بنهاية عام 2025، في حال توفرت الظروف الأمنية واللوجستية المناسبة. وقال البلبيسي:"إن استمرار هذه الوتيرة يعتمد على تطورات المشهد العسكري، وقدرة المؤسسات على استئناف الحد الأدنى من الخدمات، وهو أمر لا يزال غير مضمون". وفي ظل هذا المشهد المعقد، دعت الأممالمتحدة الجهات المانحة إلى توفير تمويل عاجل للعمليات الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة التي لا تزال تستضيف ملايين اللاجئين. وأكدت أن تأخير الدعم سيضاعف الأعباء على العائدين، ويهدد استقرار المجتمعات المحلية التي بالكاد تحتمل المزيد من الضغط. تأتي هذه العودة الجماعية رغم هشاشتها كدليل على رغبة السودانيين في استعادة حياتهم، لكن دون خطة شاملة لإعادة الإعمار وتقديم الدعم، فإن هذه العودة قد تتحول من أمل إلى كارثة جديدة، في بلد لا تزال جراحه مفتوحة على كل الجبهات.