في كل مرحلة من مراحل عطاء المبدعين إنتاج أثير لدى المبدع أو أثير عند رواد عطاءاته الفنية، ولآخر مراحل المبدع والملتصق بالأرض حتى آخر رمق فوزي محسون الكثير من الأعمال الفنية التي كانت الخلاصة والرحيق، ومن بين أعماله في عامه الأخير (توفي رحمه الله في جدة 17/6/1408) أعمال ثلاثة مثلت إنتاج الأشهر الأخيرة من حياته، وهي «الله على دي العيون» التي لم يسجلها إلا تسجيلين فقط بعد اكتمال اللحن، ورغم ذلك وجدت الأغنية انتشارا كبيرا بعد رحيله، وما زال مطربها حسن اسكندراني يحلق بها إلى جانب كثير من الأصوات الشابة مثل مهند نمر وبرهان والوليد سعد وغيرهما. ولميلاد ونشأة هذه الأغنية التي رافقت فيها فوزي طوال مولدها، حيث عانى فوزي ما عاناه من العادة التي لا تكاد تفارق «السيدة الأولى» في الشعر الغنائي السعودي ثريا قابل التي كثيرا ما تكتب مذهب الأغنية وفكرتها وترمي به إلى فوزي رحمه الله ويبدع تلحينا للمذهب مواصلا مطاردته للمبدعة ثريا للحصول على كوبليهين أو ثلاثة أحيانا للأغنية، ويقول عن ذلك كل ما كنت أجالسه في بيته الذي ولدت فيه أعظم ألحانه حجازية الطابع «جنوب مجمع إسكان الشرفية والمطل عليه» قبل أن ينتقل من بيته الأول في الكندرة الذي شهد بدوره أيضا أعظم ما سمع من فوزي من أغنيات. كنت أجالسه وصنوه صالح جلال في تلك الفترة (1407)، والتي كان يعالج فيها من آلام ظهر شديدة كنت أرافقه فيها إلى مستشفى عرفان لمتابعة حزام ظهر يخضع له، وفي كل جلسة فن كان يتصل ويواصل اتصاله بثريا محفزا لها ومطالبا ببقية النص، وهي تواصل وعدها المعاكس لمزاجية الشاعر فيها، إلى أن اكتمل اللحن وكانت الفرحة المعتادة، كما هو الحال مع ولادة كل جديد للثلاثي فوزي محسون وصالح جلال أو ثريا قابل. وهنا تقول ثريا قابل: بعد أن انتهيت من النص مكتملا بعد وقت طويل من كتابتي وتلحين فوزي لمذهب الأغنية جاءني وبمسجلي العادي هنا في البيت وسجلناها كاملة بالعود فقط، هذا قبل وفاته بأشهر، وهو التسجيل المنتشر لها، تخلل هذه الفترة حضوره في الطائف حفل زفاف لبيت الاسكندراني، حيث غناها هناك وأهديت للفنان الشاب حسن اسكندراني.. لكن هذه الأغنية كانت واحدة من ثالوث غنائي بيني وبين فوزي كانت الثانية أغنية «أحبك أنا»، والتي لم يعرفها كثيرون ولها تسجيل وحيد بمقدمته الموال الشهير«إذا لاح الجمال وضعت كفي على قلبي مخافة أن يذوب، ومن عشق الهوى رحم القلوب»، وأقول في هذا النص: أحبك أنا بس ما اقدر أبوح لك بالهوى ولا أقدر أصور لك عذابي والنوى ليلي سهر سهد وملل حتى الضجر بيذوب خجل لأنه حبيس ما بين نفسي والأمل.. أحبك أنا. أما العمل الثالث، فكان لفوزي وشدا به طلال مداح رحمهما الله، وهو من الأعمال غير المكتملة أيضا، إلا أن إذاعة جدة كثيرا ما أذاعته غير مكتمل «غلا»، وهو الذي يقول بلحن المجرور: يا من في قلبي غلاه وش يا ترى «خللا» وصالك صعيب عشمتنا «باللقا» وأوحشتنا يا الحبيب على شكل كسرة أضاف فوزي محسون عليها من روحه الفنية العبقة. وعن الأغنية حديثنا اليوم «الله على دي العيون» يقول حسن اسكندراني: نعم كانت الأغنية جاهزة اللحن وكانت المناسبة زواج شقيقتي الاثنتين في الطائف، وكان ضيوفنا يومها كبار الفنانين، وفي جلسة قبل الحفل في بيتي هناك كل من عبدالله محمد، حيدر فكري، وعبدالله الجساس، وفوزي محسون الذي اسمعنا الأغنية كآخر إنتاج مكتمل له ولم يسجله رسميا، طلبت منه «الله على دي العيون»، معتبرا أنها إضافة لي في مشواري مع الأغنية. ويومها أذكر أيضا أن عبدالله محمد أعطاني أغنيتين من كلمات الشاعر خالد إسماعيل. المهم عدت إلى جدة لأستاذتنا ثريا قابل لتعطيني التنازل لذلك دون أي مقابل، وهو أسلوبها الجميل في دنيا الفن.