عندما حدد لبنان موقفه من الأزمة السورية بسياسة «النأي بالنفس» فإنه كان بالإمكان استيعاب هذا الموقف، رغم ضبابيته وضعفه، لو كان قادرا على الالتزام به وتطبيقه كيفما كان القصد بمعنى النأي، ولكن لأنه عمليا غير قادر على ذلك فإنه لابد أن يدفع ثمنا جديدا يضاف إلى ما سبق أن دفعه على مدى زمن طويل نتيجة علاقته المعقدة مع سوريا.. الكل يعرف أن سوريا لم تغادر لبنان بمغادرة قواتها، فهي حاضرة رسميا وشعبيا بشكل واضح وقوي، وإن كان حزب الله هو أهم تجليات هذا الحضور فإنه ليس الوحيد، فقد كشفت أحداث كثيرة العديد من أذرعة سوريا المتغلغلة في مختلف المستويات السياسية والأمنية اللبنانية، وما فضيحة الوزير السابق ميشال سماحة الأخيرة سوى تأكيد لهذه الحقيقة، ودليل دامغ أن لبنان مازال رهينة سورية يستخدمها ويقايض بها متى شاء. وإذا تذكرنا ملابسات تشكيل الحكومة الحالية ستكون الصورة أوضح لتأكيد أن القضية أكبر وأكثر تعقيدا.. من هذه الزاوية يكون تبسيطا أقرب للسذاجة لو صدقنا أن حادثة اختطاف عائلة المقداد لمجموعة من السوريين مع شخص تركي، وما نتج عنها من فوضى، مجرد حادثة انفلات أمني مفاجئ وعابر سببه الثأر لاختطاف الجيش السوري الحر واحدا من أفراد العائلة، لأنها على الأصح حادثة تجسد الوضع السياسي الراهن في لبنان وتعكس آليات وأساليب الأطراف المشاركة فيه، أو على الأصح اللاعب الأساسي فيه، أي النظام السوري. فهذا النظام منذ بدأت أزمته وعينه على ساحته اللبنانية لتمرير الرسائل والإشارات والمواقف من خلالها، وحين اشتدت الأزمة قرر تصديرها إلى هذه الساحة كي يخلط الأوراق ويزيح جزءا من التركيز عليه، ويحاول التعبير من خلالها عن ردة فعله تجاه الذين يساندون الشعب السوري ضد مجازره المستمرة التي لم تحد من شراستها كل الجهود والمساعي العربية والدولية.. سيناريو الخطف وقطع طريق مطار بيروت وتزامن الحادثة مع تعليق عضوية سوريا في مؤتمر مكة، وتهديد السفارات الخليجية واستهداف الخليجيين، هو سيناريو أكبر من إمكانات عائلة مهما كان نفوذها، ويستحيل تنفيذه دون دعم وغطاء من قوة أكبر لها حضورها وتأثيرها، سواء حزب الله الذي نفى تورطه أو أجهزة أخرى خاضعة لتوجيهات النظام السوري. ولذلك يجب الحذر من الاعتقاد بأنها حادثة عابرة في إطار محدود، لأنها في الحقيقة مؤشر على البداية الفعلية لهيجان النظام السوري بإشعال النيران في كل الاتجاهات، وليس لديه أسهل وأقرب من الساحة اللبنانية الجاهزة.. لقد وجهت المؤسسة الرسمية اللبنانية رسالة شجاعة لسوريا باعتقالها ميشال سماحة والكشف عن تبنيها مخططا جهنميا في لبنان، فهل تواتيها الشجاعة الآن للتصدي بحزم لرعونة نظام يحتضر ويريد أن يجر معه الآخرين إلى الجحيم؟؟ للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة [email protected]