من الجميل أن يكون لكل إنسان تاريخ خاص به يمده بالقوة عند ضعفه ويسعفه بالصدق عند بحثه ويؤنسه بالصحبة عند وحدته يفتح له الأبواب التي صدئت أقفالها بفعل السنين وأبهمت معاجمها بدعوة التمدن والتحديث وحياة الإنسان مليئة، تذهب ما بين هذا وذاك ومشاغلها تزداد يوما بعد يوم مابين رعاية الأهل والأعمال وما تعلق بهما من واجبات وحقوق إلى اهتمام بكل من أحاط به من إنسان وغيره حتى الجمادات التي أنطقها ببوح أسراره قد كان له مع كل واحدة منها قصة وحكاية تحمل داخلها صدى سنين مرت من عمره وترانيم شجية حكت مقاطع وجدان ذاب ما بين شجن ووصال فكم تتبع قيمة جميلة قد أضافت يوما له شيئا وكم تعلق بشخصية تركت أثرا في نفسه وكم اشتد تمسكه بضالة كشفت الأيام حقيقتها وكم.. وكم .. وبعد أن تمضي السنون يعود المرء للبحث عن ذاته بين كل هؤلاء عندئذ قد يجد أنه لا يملك لبعضها إلا الذكريات ولكن لا تسعفه ذاكرة اليوم لوصف معالمهم أو تتبع ملامحهم أو ذكر تفاصيل مواقف جميلة عاشها بينهم أو أن يتخيل لحظات فريدة تقاسمها معهم مما يقنعه بأنه قد ضيع جزءا من عمره وسرقت منه مشاعر وأحداث لم يستطع أن يوثقها أو أن يسور معالمها فلو عادت به السنون لسجل كل لحظة مرت به ودون كل لفتة كان لها أثرا على جدار صمته وتساءل في داخله لما لم يقم بتسجيل يومياته وتدوين ما مر به من مواقف وأحداث. إنصاف الحربي