زوجان بنجلاديشيان .. رحلة من أمريكا إلى مكة المكرمة    إطلاق مبادرة المترجم الصغير بجمعية الصم وضعاف السمع    هيئة فنون العمارة والتصميم تختتم المنتدى الأكاديمي للعمارة والتصميم بنسخته الثالثة    مستشفى النعيرية العام يحتفي باليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية    من جيزان إلى الهند.. كيف صاغ البحر هوية أبناء جيزان وفرسان؟    طبيبة من أصل عربي لمنصب الجراح العام في امريكا    أسعار النفط تنخفض بأكثر من دولارين للبرميل        إغلاق تطبيق Skype للأبد    محافظ الدرعية يرعى حفل تخريج طلاب جامعة المعرفة    عادة يومية ترفع معدل الوفاة بسرطان القولون    سعد البريك    قبل أن أعرفك أفروديت    سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم    اللقب الأغلى في تاريخ قلعة الكؤوس.. عاد الأهلي.. فأرعب القارة الآسيوية    أمير الشرقية يعزي المهندس أمين الناصر في وفاة والدته    برعاية خوجة وحضور كبير.. تدشين كتاب «صفحات من حياة كامل بن أحمد أزهر»    موجز    الرفيحي يحتفي بزواج عبدالعزيز    أسرة عصر وأرحامهم يستقبلون المعزين في مصطفى    الداخلية: 100 ألف ريال غرامة لمن يؤوي حاملي تأشيرات الزيارة    الأمير سعود بن جلوي يتفقد مركز ذهبان ويلتقي الأهالي    انطلاق المعرض العائم اليوم في جدة.. 60 مليار ريال سوق «الفرنشايز» في السعودية    "مسيرة الأمير بدر بن عبدالمحسن".. في أمسية ثقافية    بحضور شخصيات من سلطنة عمان.. عبدالحميد خوجه يحتفي بضيوف ديوانيته    القيادة الملهمة.. سرّ التميّز وصناعة الأثر    122 سفيرا ودبلوماسيا يشهدون لحظة الغروب على كثبان "شيبة" الرملية    صناديق الاقتراع ورسائل الأمن.. مساران لترسيخ الشرعية والسيادة.. لبنان يطلق الانتخابات البلدية ويحكم قبضته على «صواريخ الجنوب»    التقى أمير المدينة والأهالي وأشاد بالتطور المتسارع للمنطقة.. وزير الداخلية يوجه بمضاعفة الجهود لراحة قاصدي المسجد النبوي    العراق.. 10 أيام إضافية لتسجيل الكيانات الانتخابية    خطة لتوزيع المساعدات تُشرعن التجويع والحصار .. إسرائيل تدير الموت في غزة بغطاء إنساني زائف    شيجياكي هينوهارا.. كنز اليابان الحي ورائد الطب الإنساني    "الغذاء" تسجل دراسة لعلاج حموضة البروبيونيك الوراثي    الملك يتلقى دعوة من رئيس العراق لحضور القمة العربية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025    منجزات رياضية    الشاب خالد بن عايض بن عبدالله ال غرامه يحتفل بزواجه    بلدية محافظة عنيزة تعزز الرقابة الميدانية بأكثر من 26 ألف جولة    ضمن فعاليات "موسم الرياض" لاس فيغاس تحتضن نزال القرن بين كانيلو وكراوفورد سبتمبر المقبل    أمير تبوك يهنئ نادي الاهلي بمناسبة تحقيق دوري أبطال اسيا للنخبة    «البرلماني العربي» يدعم القضية الفلسطينية ويرفض التهجير    المملكة تدين استهداف المرافق الحيوية في «بورتسودان وكسلا»    اختتام بطولة المنطقة الوسطى المفتوحة للملاكمة    إقبال كبير على معرض المملكة «جسور» في كوسوفو    فيصل بن نواف يتفقد مشروع داون تاون ببحيرة دومة الجندل    «حقوق الإنسان» تثمّن منجزات رؤية 2030    "المنافذ الجمركية" تسجل 3212 حالة ضبط    أمير الرياض يطّلع على جهود وأعمال الدفاع المدني    "الشؤون الإسلامية" تنفذ برامج التوعية لضيوف الرحمن    أمير جازان يلتقي مدير فرع "العدل"    تنفيذ 15 مشروعاً بيئياً في جدة بأكثر من 2.3 مليار ريال    المملكة تتقدم 28 مرتبة بتقرير مخزون البيانات المفتوحة    8683 قضية تعديات واستحكام الأراضي    رئيس إندونيسيا يشيد بجهود المملكة في "مبادرة طريق مكة"    بيئة المملكة خضراء متطورة    مختص: متلازمة التأجيل تهدد الصحة النفسية والإنتاجية وتنتشر بين طلاب الجامعات    تخريج 331 طالبًا وطالبة من جامعة الأمير مقرن    جامعة جازان تحتفي بخريجاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أُمّي لا تُشبه إلا نفسها
نشر في عكاظ يوم 08 - 11 - 2024

ربما، هناك أمهاتٌ يُشبهن أُمّي، إلا أنّ أُمّي لا تُشبهُ أحداً، ولعلّها لا تُشبهُ إلا نفسها، وربما كان خلقُها من طينة مُقدّسة، أو أنّ جيناتها تمتد إلى سلالة بشريّة لا تعرفُ إلا الحُبّ والطُهر والعفّة، ولستُ هنا ابناً معجباً بأمّه، بل عاشق مُتيّم بصوتها وابتسامتها ورائحة ملابسها ومشيتها ووقوفها وطبخها وقهوتها وسردها للحكايات والقصائد، وكائنٌ مُفرطٌ بتفاؤله بدعائها.
وعيت أمي، (زاد الله مثواها نوراً)، على الحياة، وهي يتيمة الأب، فيما تزوّجت أمها في قرية بعيدة عن قريتنا، وكانت في كفالة عمنا سعيد (عليه رحمة الله)، الذي زوّجها لأخيه من أمه، الذي هو أبي (عليه رحمة الله)، ولم تنعم بحياة مُرفّهة، ولم تحظَ بزوج رومانسي بامتداد أيام العشرة، فوالدي (غفر الله له) يتيم الأب، وكان هو أبو نفسه، ولذا عانت وقاست وكانت كلما خنقتها العبرة رفعت كفيها إلى السماء، وقالت: (اللهم إنّي أمتك التي لا أشركتُ بك ولا عصيت، ولا سرقتُ ولا زنيت، ولا عليك تعدّيت)، وتعجز عن تكملة الدعاء، لأنها مهما كان وقع الظلم والجور عليها، تخاف على ظالمها من دعائها فتُمسك.
مرّت بنا نحو أربعة أعوام عصيّبة، كون أمي (أسعدها الله برضوانه)، طريحة الفراش، وكنتُ أُضمرُ في نفسي، أنها ربما تخشى علينا من فاجعة الرحيل المفاجئ، ولذلك دربتنا وإخوتي وأخواتي وأهلي على الفراق ليكون على مراحل، ولطالما نظرتُ في عينيها، فقرأتُ في الأحداق رسائل تطمين، تقول (لن أرحل الآن).
وبما أنّ نفسيّة الأمهات شديدة الحساسية، أظنها خشيت أن نملّها (حاشا لله) فاختارت الرفيق الأعلى، مساء السبت الماضي، صباح الأحد، ولأنّ أُمي شديدة الحياء، تريّثت حتى انتهى وقت زيارتنا لها بعد العشاء، وغادرنا إلى البيت، لتبدأ استعداداتها، على انفراد لإطلاق روحها، من الجسد الضيّق إلى رحاب السعة الآمنة عند ربها.
لم تكد تمضي الليلة الأولى على رحيل أمي (غفر الله لها، وأكرم نزلها)، إلا وتناسلت خيوط شريط ذكريات، تقوم معي وتقعد، وتصحو وتنام، في كل ركن من المنزل أسمع صوتها، وأشم زكيّ رائحتها، وأرى بياض روحها، وهي تطوف بأرجاء الغرف والساحة والوادي والطريق.
كانت أمّي عندما تعلم بموت أحد، أو تطرق سمعها سيرة هادم اللذات، تنهمر دموعها، وتقول «الموت حق، عليه سلام الله، ولكن الفراق صعيب»، ولعل تمسكنا بها وتمسكها بنا، أنزل رحمة الله لتتيح لها ولنا فرصة رد بعض الجميل، علماً بأن ادعاء الفضل مع مثل أمّي عقوق.
طبتِ يا أمّي، وأنتِ بيننا، وطبتِ في جوار رب كريم، وهنيئاً لتربةٍ حوت جسدك الممهور بختم الابتلاء، وهنيئاً لكِ والملائكة تفتح لروحك الطاهرة أبواب السماء، وكلي ثقة أن مشوارك في الحياة الحافل بكل ما يمكن أن يتصوّر الخيال وما لا يُتصوّر، جدير بالتوثيق، وروايته لبناتنا وأبنائنا وأحفادنا وحفيداتنا، لتمثّل الصبر والرضا والطمأنينة والصدق مع الله.
في الموت فلسفة عصيّة على الفهم، ليست من فلسفات الوجودية ولا الواقعية ولا المثالية، ولا تلك التي يمكن وصفها بمنطقيّة ولا نسبيّة، بل تدخل في الألغاز وربما المعجزات، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا (إنّا لله وإنا إليه راجعون).
من الوفاء إزجاء الشكر لأمير منطقة الباحة الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز؛ لسؤاله وتوجيهه الكريم بالرعاية الخاصة لوالدتي (غفر الله لها)، والشكر موصول لسعادة وكيل إمارة منطقة الباحة الدكتور عبدالمنعم بن ياسين الشهري؛ لمتابعته للحالة الصحية لأمي (عليها رحمة الله)، والشكر للتجمع الصحي في الباحة، ممثلاً بمستشفى الملك فهد، ولفرع وزارة الصحة، وللهلال الأحمر السعودي في المنطقة الذي كان خير معين لنا على نقل أمي (رفع الله درجاتها في عليين)، من منزلنا للمستشفى، والشكر للنقل الإسعافي في مستشفى الملك فهد، ولكل منسوبي المستشفى من أطباء وإداريين وأخصائيين وفنيين وممرضين وممرضات، وشكراً للأوفياء الذين زاروا، والذين سألوا ودعوا، ولكل الذين شاركونا وجع الرحيل الثقيل الدم.
كنتُ إذا سمعتُ أُمّي (رزقها الله منازل الشهداء) تقول لأحد إخوتي: يا حبيبي، أقول وأنا يا أمي؟ فتقول: (أنت صديقي ورفيقي)، ولعل هذه العبارة تكون شفيعي يوم الفزع الأكبر.
تلويحة.. اتصل بي الصديق خالد الفاضلي مُعزّياً، وقال يا علي: (الأمهاتُ لا يمتن وإنما يتوارين في ناحية من القلب). فيما بعث الصديق مجاهد عبدالمتعالي رسالة يقول فيها: (الآن كبرتَ يا عليّ). وداعاً يا نبض القلب، ودم الوريد وشهد الروح وضمير الوعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.