افتتاح العرض التمهيدي لمعرض «سالووني ديل موبيل» في الرياض بمشاركة 38 شركة إيطالية    رئيس تايوان يقول إن تهديدات الصين تتزايد    أمير منطقة الجوف يرعى اللقاء الثالث والستين من "ليالي الجوف"    عنبر المطيري تُشعل «وهج القصيد» في أمسية شعرية تحت مظلة الشريك الأدبي    الأمم المتحدة تطلق عملية لانتخاب أمين عام جديد لها    إنقاذ طفل يعاني من انسداد خلقي في المريء بتبوك    أمير الرياض يستقبل مديري الشرطة ودوريات الأمن    عبدالعزيز بن سعد يُدشِّن خدمات "مدني الحفير"    «غزة الإنسانية» توقف أعمالها بعد منعها توزيع المساعدات    العلاقة بين العملاقين الصين واليابان    بطل فريق هنكوك السعودية سعيد الموري يشارك في رالي جدة بدعم مجموعة بن شيهون وشركة الوعلان للتجارة    ولي العهد والعاهل الأردني يناقشان التطورات    القيادة تهنئ رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك ورئيسة سورينام    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة في اجتماع مجلس الدفاع الخليجي    التأكيد على أهمية ضمان مسار حقيقي للتوصل إلى حل الدولتين    ضبط مخالفين لنظام البيئة في القصيم    من ذاكرة الزمن    «حراء».. أصالة التاريخ وروح الحداثة    «الشؤون الإسلامية» تختتم الدورة العلمية لتأهيل الدعاة في كينيا    ذروة استثنائية في المسجد الحرام    تعاون تقني بين توكلنا ومطار الملك سلمان    أمير نجران يثمّن حصول مستشفى الملك خالد على الدرع الذهبي من "ELSO"    خماسي الريال الغاضب يهدد بإقالة المدرب ألونسو    استعرض فرصهما للشراكات العالمية..الخريف: التقنية والاستدامة ركيزتان أساسيتان للصناعة السعودية    زيارة تاريخية تصنع ملامح مرحلة جديدة    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    علماء: مذنب يقترب من الأرض مطلع يناير    "الداخلية" تسهم في إحباط محاولة تهريب مخدرات    حماس تعلن تسليم جثة أسير إسرائيلي.. نتنياهو يحذر من خرق اتفاق وقف النار    «حقوق الإنسان» تطالب بالتحقيق في استهداف «عين الحلوة»    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    388.1 مليار ريال استثمارات الأجانب    أزمة اللغة بين العامية والفصيحة    المسرح الشبابي    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    تعزيز تنافسية بيئة الأعمال    دك شباك الشرطة برباعية.. الهلال يعزز صدارته للنخبة الآسيوية    المملكة وإيطاليا يوقعان مذكرة تفاهم في المجالات الرياضية    تماشياً مع الأهداف العالمية للصحة والتنمية.. الربيعة: السعودية حريصة على حماية حقوق التوائم الملتصقة    غزال يقتل أمريكية أنقذته    جورجية تفقد النطق بسبب السجائر الإلكترونية    الملحقية الدينية بسفارة المملكة لدى نيجيريا تختتم المسابقة الوطنية لتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره    الصادرات غير البترولية تقود نمو التجارة السلعية للمملكة    صادرات الثروة الحيوانية تتجاوز 8.4 مليارات ريال    الهلال يتفنن برباعية على حساب الشرطة العراقي    صامطة تنهي المعاناة بشبكة تصريف للأمطار    اتهامات بانتهاكات واسعة في الفاشر ومساع دبلوماسية لإنهاء الحرب    وزير الرياضة يوقع مذكرة تفاهم مع السيد أنطونيو تاياني للتعاون في المجالات الرياضية بين المملكة وإيطاليا    دعم مشروع القائد ورؤيته التي تعمل على استقرار العالم    الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة والمالية وإقرار إستراتيجية التخصيص    الحقيقة أول الضحايا    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    الشؤون الإسلامية في جازان تُشارك في اليوم العالمي للطفل    اتفاقية صحية لرفع جاهزية بنوك الدم وتوسيع نطاق حملات التبرع    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    117 دقيقة لأداء العمرة    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعهد الصحي وماعز بُرعي
نشر في عكاظ يوم 07 - 08 - 2020

أقبل (أبو يوسف) من الرياض لقضاء إجازة الصيف مع أهله في القرية، وبشّر العريفة بأنباء اعتماد جملة من مدارس البنات في قريتهم والقرى المجاورة. قال العريفة: بشارة خير من وجه الخير. اجتمع مع المقاول (أبو سعد) ليطلبه التبرع بمنزله الجديد مدرسة لمدة عام وبعد العام يخلق الله ما لا يعلمون، فكان إيجابياً في ردّه: هذا مفتاح البيت بيدك يا عريفتنا وما تراه مناسباً لا تتردد في فعله.
لا تخلو القرية من حاسد وواشٍ وطامع ومشوّش خصوصاً أن وافداً دخلها على حين غِرة من أهلها وبدأ يروّج أفكاراً غير منسجمة مع حياة البسطاء الفطرية، ولقي بين القرويين من يحتفي بأفكاره، خصوصاً أنه يتجمّل بكحل العين ويدور بالبخور في الساحات، وفرك الجبهة حتى انطبعت سجدة سوداء بارزة، ويرتدي ثوباً لمنتصف الساق ويهدي السواك كل جمعة، ويوزع حليباً من الماعز التي جلبها من بلاده وغدت تجوب القرية وتمشط الطرقات وتدخل كل بيت.
بنهاية الأسبوع اعتلى الفقيه المنبر وعلى غير العادة لم يمد يده ليتناول كتاب البيحاني (الفتوحات الربانية بالخُطب والمواعظ القرآنية)، بل ظل ساكناً فوق الكرسي، وما إن انتهى المؤذن من النداء الثاني، حتى وقف وفتح الشباك الصغير المحاذي للمحراب ليستضيء بنور النهار، وركّب نظارته المُقعّرة، ثم أخرج ورقة من جيبه، وشرع في حمد الله والصلاة والسلام على رسوله والوصية بالتقوى، ثم انبرى لتناول قضية افتتاح مدارس للبنات وما يترتب عليها من مخاطر. انفعل وأرغى وأزبد وتوعّد وأنذر المصلين مما يُراد بالمرأة بدءاً من إخراجها من بيتها لتدرس ثم لتعمل وتختلط بالرجال، واستفز الحضور باتهامه من يرضى بتعليم ابنته بالدياثة وانعدام الغيرة، والمصلون يتلافتون في بعض و(برعي) يهرش لحيته الكثة بيد ويدير السواك في فمه بيد ويتبسم.
انتهت الصلاة فوقف العريفة التنويري بكامل أناقته ولياقته، وقال؛ يا جماعتي؛ وصلني خطاب من الرياسة يشعرونا فيه بقرب فتح مدرسة بنات خاصة بقريتنا، وأضاف؛ والله ما أشوف بناتكم إلا مثل بناتي، وأبو سعد كثر الله مرزقه تبرع ببيته مقراً للمدرسة، والتعليم رسالة الأنبياء والمصلحين والدولة ما تعتمد إلا ما فيه خير لشعبها، والتفت للإمام الجالس في محرابه يحرك شفتيه بطريقة توحي بالخشية، فطلب منه يقف بجواره، فوقف مرتعداً وسأله: من أين جئتنا بهذه الخطبة المخوشة؟ فأجابه؛ أعطانيها (بُرعي) فبحث عن برعي في المسجد فلم يره، فقال: دواك عندي أنت وبرعيّك يا الفاغر.
تبرع العم سعيد بتوفير الأقمشة الخاصة بالطالبات واستعد عم أحمد لتفصيلها وخياطتها مجاناً وأعلن التاجر مسفر تبرعه بالشنط والأقلام والدفاتر، فانتشى العريفة واستنزل جنبيته من الزافر وأخذ يحتلج ويقصد (صُلب رأسي يا لبيب قوم، والدراسة لان دربها).
تم افتتاح المدرسة وتوزعت الدراسة على فترتين صباحية للصغيرات ومسائية للكبيرات، ودخلت المراييل الملونة معظم البيوت وبدأ الرجال يفاخرون بالصبايا ويفتحون لهن أبواب الأمل بأنهن سيصبحن غداً معلمات وطبيبات ومهندسات واشترك عدد من الأهالي في الصحف لتكون الجريدة وسيلة تربية على القراءة والثقافة، وبعض الآباء لا يطرب إلا إذا اقتربت ابنته إلى جواره لتقرأ له عناوين الصحيفة وتفاصيل الأخبار، وهو يردد (العلم يرفع بيتا لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف).
استدعى (برعي) الفقيه، وبدأ يحرّضه طيلة ليال على العريفة، ويردد (ده حيخرّب دينكم) وأخرج شنطة صغيرة ومد له بألف ريال، وقال عاوزين نحبط مخططه) وطلب منه تأليب الجماعة لإفشال مشروع تعليم الفتاة، وأوصاه بشراء الذمم الرخيصة ليشكلوا صوتاً معارضاً، فاصطف معه المؤذن وفراش المسجد والشاعر الأعمى وكانوا يجلسون كل عصر أمام المسجد والبنات الكبيرات متجهات للمدرسة فيعلقون ساخرين (سرحت ماعز بُرعي راحت معزى برعي) كناية عن ألوان المراييل الحمراء، والشاعر الأعمى يمد الصوت (يا قليل الرُشد ياذا تحب العسعسة، خذ من أهل المدرسة).
نجحت مديرة المدرسة (نظيرة) في كسب قلوب الأمهات والآباء وأوقفت وقتها طوال اليوم للبنات تدير وتعلم وتربي وتدرب على الخياطة، وفي أول يوم امتحانات لم تحضر الطالبات فخرجت بعباءتها تطلبهن من البيوت فاكتشفت أنه بدأ موسم حصاد القمح والبنات في الأودية فلحقت بهن وجمعتهن وأجرت الامتحان واتفقت مع الأمهات أن تقدم الاختبار للصغيرات بعد صلاة الفجر وللكبيرات بعد العصر.
راحت أيام وجاءت أيام وتم افتتاح معهد صحي للبنين فتوافد عليه الطلاب من كل حدب وصوب، وسمع مدير المعهد أن الجهات المختصة بصدد افتتاح معهد صحي للبنات فأعدّ عريضة باسم الأهالي وحذر المتبنين للفكرة من عواقب هذه المغامرة غير المحسوبة والتي لن تحمد مآلاتها، وجمع عليها التوقيعات حتى وصل عند العريفة، فسأله؛ هل وقّعت أنت يا العُود المدخّن؟ فأجاب: أنا دال على الخير فقط وتوقيعي ما له داعي لأن بنتي طموحها أكبر. فتناول العريفة منه العريضة ومزقها، وقال؛ إن كنت أخونا فمرحباً بك، وإن كنت أخو برعي فافلح مع برعي وكلن يكتال في جرابه.
استيقظت القرية ذات صباح بهي على بناء كليات ومعاهد. افتقد العريفة برعي فسأل عنه، قالوا: سرق فلوس الجمعية وشرد، فقال: والفقيه ما أشوفه: فأبلغوه أنه سافر مع ابنته المبتعثة لدراسة الطب.
كاتب سعودي
Al_ARobai@


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.