في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، أُسست وزارة المعارف، انتشر التعليم للبنين في مختلف المستويات التعليمية، واهتم رحمه الله بتعليم الفتيات، حيث تم التفكير بأن يشمل التعليم البنات أسوة بالبنين، وظهرت اعتراضات من بعض فئات المجتمع من المتشددين في بعض مناطق المملكة على فكرة إنشاء مدارس لتعليم البنات بينما نادى آخرون بجواز تعليمهن، إلا أنه ينبغي ألا تقوم وزارة المعارف بهذه المهمة حتى وإن أنشئت مدارس خاصة بهم وكُثر الجدل والمقاومة من الكثيرين ممن تلقوا التحريض من المتشددين آنذاك، وببالغ الصعوبة ومن خلال سياسة حكيمة تمت السيطرة على الموقف واحتوائه حتى تقرر أن تتاح للفتيات فرصة التعليم، وافتتحت مدارس البنات في عام 1380 ه. منطقة الباحة آنذاك كانت كغيرها من بعض المناطق الأخرى المتشددة على عدم خروج الفتيات إلى التعليم، وعدم جواز ذلك عُرفاً كما كانوا يعتقدون لأنهم يرون أن تعليم البنات سيفسد الأخلاق ويتعلمن الجرأة والخروج وتقليد الكفار حسب رأيهم! وكان الشعراء كوسيلة الإعلام اليوم، في النقد والإضاءة لمواطن الخلل وتوعية الناس على فكرهم الأوحد، فالشيخ الفقيه مُطاع الأوامر وكذلك الشاعر فهو الرجل العارف ببواطن الأمور وحامل الحكمة العيسوية الخالدة كما كانوا يعتقدون. ومن القصائد التي حُفظت في منطقة الباحة ويحفظها كبار السن من معاصري الملك سعود طيب الله ثراه والتي تنهى الناس عن إلحاق بناتهم بالمدارس، قصيدة نصح ساخرة من المتعلمات وطالبات الدراسة للشاعر الكفيف محمد أبو جعيدي الغامدي -رحمه الله، والذي يلقب بالأعمى، وقد ألقاها في عرضة كبيرة أمام حشود من القبائل ليسمعهم ما ينبغي عليهم في التصدي لتعليم البنات وطولب بإعادتها وتكرارها في عدد من الحفلات المناهضة لتعليم البنات فقال: بو جعيدي قال ياذا تحب العَسْعَسْه!.. خذ من أهل المدرسه.. أهل بو فستان والكعب يمشي في هواه.. واهل سِحّاب العباه.. والمشط والطيب والمكحله في عِبّها.. عينها في جنبها.. ما تسير الاّ تمايل تشوف خيالها.. ما تدبر حالها.. وتواليها ترخّيْ بناقه من ورى.. بنت مقطوع الذرى.. والله لو ما اخذ لي من اقيان السواحل يا بنات المدرسه ما يروحوا بيتنا.. وفي بداية عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه سمع الناس عن دخول التلفون (الهاتف)، وأنه خطر على الناس وخصوصاً على القلة ممن سمحوا لبناتهم بالدراسة ممن اعتبروهم بلا غِيرة وكان للشاعر محمد أبو جعيدي رحمه الله وغيره من الشعراء حضور ساخر لردع الأهالي من تعليم البنات لأن ذلك سيمكنهن من قراءة أرقام التلفون، فقال في قصيدة وكأنه يذكر الملك فيصل رحمه الله بنصيحته السابقة: يا ملكنا ما تجوز المدارس للبنات.. كاذباتٍ ظالماتٍ!!.. القلم ما يستوي للذي ماله قلوب.. ذي تغازل للهبوب.. والله ما يخفى عليها برقم التلفون.. واهلها يتضاحكون.. يحسبوها تدرس العلم فالقسطنطنيه.. واثرها تصغي لذا في عدن وتغازله.. ولو تأملنا تلك الأبيات الساخرة والمناهضة للتعليم ولوسائل الاتصال، فإنه لم يصل الهاتف إلى الباحة في ذلك الوقت إلا لدى بعض الجهات الحكومية القليلة ولدى بعض كبار التجار، ولكن الشاعر تم تلقينه بتلك الصور مثل الكعب ويقصد بذلك الحذاء النسائية، والفستان، فهو لا يعرف تلك الملبوسات بتلك المسميات في مفردات قصيدته، ولكن كثرة تداول تلك الكلمات ممن عرفوا المدن المجاورة الكبيرة مثل جدة ومكة المكرمة فقد نقلوا تلك الصور وأكدوا للناس أنها نتيجة تعليم البنات مؤكدين لهم عدم جواز التعليم أساساً، ولذلك استخدم الشاعر الجملة (يا ملكنا ما تجوز المدارس للبنات) والحقيقة أن ذلك اللون الساخر من الشعر الوعظي كان البديل عن الوسيلة الإعلامية وكان مشابهاً للكاريكاتير اللاذع بسخرية تجعل الناس يرفضون ذلك المبدأ، وتقودهم عقولاً متشددة لا تقبل الحوار أو مجرد الجدل في أمر يرونه قطعياً لا يقبل النقاش. تدرج تطور العقل الجمعي إلى نسق ثقافي يرفض أشكال التطرف ومن يقف ضدهم فيرونه فاسقاً ويظل منبوذاً ومُحارباً بينهم رغم نظرتهم المحتقِرة لبنات المدارس ووصفهن بالظلم والكذب كما ورد في القصيدة وذلك للتأثير عليهن وعلى أولياء أمورهن من عدم قبول الدراسة. ومن وصم البنات بالعار ومنعهن من التعليم، تدرج تطور العقل الجمعي اليوم إلى نسق ثقافي يرفض أشكال التطرف، وأصبحت فتاة الباحة عضواً مشاركاً في مجلس الشورى، وميادين الشريعة والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة بأنواعها، وتطورت وسائل الاتصالات إلى أن أصبح العالم بأسره بين كفي مسن من معاصر تلك الأحداث وأصبح لا يستغني عن تلك الوسائل ساعة واحدة لأنه سيجد نفسه في كهف مظلم منزوياً ومقطوعاً عن العالم. المرأة تحت قبة الشورى استخدام التلفون وجد معارضة من البعض إبراهيم الزهراني