في الأسبوع الماضي كنت مع بعض الزملاء نتناقش في مشاكل وضغوط العمل بالقطاع الخاص وعن طول ساعات العمل وتشّعب بنا الحديث عن الامتحانات وهمومها حتى قال أحدهم رغم ضغط العمل خلال هذه الأيام على كل مُعلّم ومُعلّمة في تصحيح الامتحانات ورصد الدرجات إلا أنهم مُدلًلون! فقلت: ولماذا حكمت عليهم بالدلال! فأجاب قائلاً: لأن عملهم مُريح وينتهي مع صلاة الظهر وإجازاتهم يقضونها مع الطلاب والطالبات، فتحول مسار نقاشنا للحديث عن التعليم والوظائف التعليمية ودخلنا في جدل واختلاف في وجهات النظر استمر لفترة طويلة. إن الغريب في الموضوع هي نظرة زميلي لمن يعملون في مجال التربية والتعليم بأن عملهم مُريح وينتهي مع صلاة الظهر وهو ليس مُعلّماً! وكذلك عندما قال بأنهم يقضون إجازاتهم مع الطلاب والطالبات وهذا غير صحيح، وإذا افترضنا بأنهم يقضون إجازاتهم مع الطلاب والطالبات فهذا حق مشروع لهم، فما الفائدة من حضور المُعلّم والمُعلّمة للمدرسة أثناء الإجازة والطلاب والطالبات يغطون في سبات عميق!! ومما يثير الدهشة أيضاً بأن هذه العبارة صدرت من شخص مثقف ومتعلم ، إذاً ماهي نظرة من هو أقل منه ثقافة أو مستوى تعليمي!! أقول لزميلي ومن يتفقون معه وينظرون إلى أن وظيفة التعليم من الوظائف التي لايوجد فيها مشقّة أو تعب إن عليكم إعادة حساباتكم، وأنا هنا لست مٌعلّماً ولا أعمل في المجال التربوي ولكن يجب أن ننظر للموضوع نظرة أشمل ونُعطي كل ذي حق حقه. إن بناء المجتمع وصلاحه ونجاح الأبناء والبنات في حياتهم الدراسية والعملية والاجتماعية وتمسكهم بمبادئ دينهم يعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على كل مُعلّم ومُعلّمة وعلى أمانتهم في أداء عملهم حتى وإن فقدوا الشيء البسيط من هيبتهم والتي بالتأكيد لا تقلل من مكانتهم في المجتمع ، جميعنا يعلم بأن الأمانة شأنها عظيم وهمها كبير وقد تحدثت الآية العظيمة عنها في سورة الأحزاب بقوله تعالى }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا{ فإذا تحدثنا عن أمانة أي موظف في أي عمل فإن أمانته تقتضي تحقيق صفة واحدة فقط ألا وهي صفة الانضباط في العمل والقيام به على أكمل وجه بينما أمانة المُعلّم والمٌعلّمة يجب أن تشتمل الصفات التالية. أولاً ( الانضباط ) ثانياً ( التربية ) ثالثاً ( التعليم ) رابعاً ( التوجيه ) وجميع هذه الصفات مرتبطة مع بعض وفي غاية الأهمية لمن تأمل كل صفة منها ولا يستطيع أي مُعلّم أو مٌعلمّة أن يؤدي عملة من دون أن يحقق هذه الصفات معاً . مما لاشك فيه بأن الوقت الذي يقضيه المُعلّم أو المٌعلمّة مع أبنائنا أو بناتنا خلال اليوم _ إن لم أكن مبالغاً_ يعد أكبر مما يقضيه أي أب أو أم معهم في المنزل وكذلك فإن ما يكتسبه الطالب أو الطالبة من مهارات ومعارف في المدرسة يصل إلى ضعف ما يكتسبه في المنزل ، ولك أن تتخيل يا من تقرأ هذه السطور بأن أحد أبنائك يتصف بالعِناد ويصعب التعامل معه فكم حجم المعاناة والضغط النفسي والشد العصبي الذي ستعانيه لتقويم هذه الصفة!! إذاً ماذا سنقول إذا علمنا بأن المُعّلم أو المُعلّمة يتعاملون مع مئات الطلاب والطالبات يومياً ولكل واحدٍ منهم سلوكهُ وتصرفاتهُ وطباعهُ، وماذا سنقول أيضاً إذا علمنا بأن أكثر من مُعلّم ومُعلمّة يعملون في مدارس أهلية ويتقاضون رواتب لاتتوازى مع حجم تعبهم ومعاناتهم والأغرب من ذلك تكفلهم بشراء الهدايا التشجيعية والتحفيزية للطلاب والطالبات من حساباتهم الخاصة ، لذا من الواجب علينا إنصافهم وتقدير عملهم. وقفة،، كم من مُعلّم ومُعلمّة صدرت قرارات تعيينهم في مناطق نائية وذهبوا لمدارسهم قبل شروق الشمس وعادوا لمنازلهم عند غروبها وكم من مُعلّم ومُعلمّة انقطعت بهم السبل في الصحراء وتعطلت بهم وسائل النقل ودفعوا جزءً كبيراً من رواتبهم لإصلاحها، وكم من مُعلّم ومُعلمّة عاشوا في الغُربة وفي القرى النائية سنوات بعيداً عن أهلهم وذويهم ، وما يؤلمنا ويحزننا أكثر هو كم من مُعلّم ومُعلمّة بكينا عليهم وفقدناهم بسبب حوادث المرور نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة وأن يجعلهم من أهل الجنّة، فمن حقهم علينا الدعاء لهم ماحيينا. رسالة،، إن الكمال لله سبحانه وتعالى وقصور أي مُعلّم أو مُعلمّة في أداء الواجب لايعني الإقلال من شأنه أو من شأنها ولكن رسالتنا لهم بأن أبنائنا وبناتنا أمانة في أعناقكم فأنتم الأساس لنجاح أي مجتمع وأنتم القدوة لهم فعليكم مخافة الله فيهم، بفضل الله ثم بفضلكم أصبح منا الطبيب والطبيبة والمهندس والمهندسة والمدير والمديرة والمُعّلم والمُعلّمة والداعي والداعية وكذلك الطيّار والضابط ورجل الأعمال الخ.... ومهما كتبنا وتحدثنا فلن نوفيكم ما تستحقون. شكراً،، من القلب شكراً لكل مُعلّم ولكل مُعلّمة أجتهد وأخلص في عمله والشكر موصول لمن تقاعد منهم ونسأل الله أن يبارك فيهم وفي جهودهم وأن يمتّعهم في حياتهم ويلبسهم لباس الصحة والعافية ويجعل عملهم خالصاً لوجهه تعالى وأن يكتب ذلك في ميزان حسناتهم أنه سميع مجيب. ختام الكلام،، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ..... آمين خالد بن محمد الخميس مدير الموارد البشرية والشؤون الإدارية (OMACO / M.V.P.I)