خلافاً لما قد ينتابه إزاء أي جنس أدبي آخر، فإن القارئ لا يحار عادةً تجاه الشعور الذي يعتريه إبان قراءة كل نص قصصي، فلطالما انطوت النصوص القصصية على جاذبية خاصة وانطباع آسر تمكنانها من إغواء القارئ واختراق التماوجات المعقدة لنفسه واختبار عمق عاطفته (...)
فيما كان الشفق يؤذن بحلول المساء والظلال الشفيفة تتحول نحو كثافة الغسق وتندمج تدريجياً في عتمة واحدة تنبسط وتتسلل عبر نوافذ الأبنية، بدا بندول الساعة وهو يتأرجح خلف الزخارف الصامتة صاخباً بما يكفي لمقاومة الخدر الذي انتاب المنزل وبسط مشيئته في (...)
إلى جانب مشاعر الإثارة التي ترافق قراءة عنوان بلغ رواجه وشيوعه ما بلغته عناوينُ تقدم الكتب على هيئة وصفات تعالج قلق الإنسان وسعيه الحثيث نحو مكانة أبرز، فإن شعوراً متواتراً بأن تدخلاً دعائياً ساهم في بناء القائمة قد يبقى سائداً ومهيمناً وهو شعور (...)
لطالما نشأ الحكم الذي يتشكَّل في ذهن القارئ حيال كتاب ما، عن الانطباع الذي تتركه الجملة الاستهلالية في روعه، إذ يحثه وقعها على أن يبقى متسقاً مع شعوره حيالها الى أن يجتاز قدراً قرائياً معيناً يحرره من سطوتها ويمنحه القدرة على أن يكون محايداً إزاء ما (...)
لم تكد الشمس تقذف بشواظ أشعتها على رؤوس المباني حتى نشر الضياء ملالةً شفيفةً على طرقات المدينة مؤذناً ببداية يوم ٍجديد، بدا كغيره من أيام الشتاء منتاباً بالسأم ومصاباً بالضجر بيد أن قدراً يسيراً من الصخب البطيء انبعث عن الجادة الموازية لصالة القدوم (...)
كثيراً ما راج الاعتقاد بأن ليس ثمة ما يجمع بين الأدب والسياسة ولا ما يصل بينهما، وفي ما عدا التناقض الرحب والشاسع بين سُبلهما ومآلاتهما فلا وجود لما يتشاركانه، ولذلك ساد ما يشبه اليقين بأنهما لا يقفان على طرفي نقيض فحسب، بل إن حروناً وتجافياً أزلياً (...)
لا تقف الآداب على الحياد إزاء القمع الذي تمارسه الأيديولوجيا والظلم الذي تزاوله العنصرية، بل تنحاز إلى القيم الإنسانية وتدلي بآرائها؛ وفق مبدأي العدل والمساواة اللذين طالما سعت إلى ترسيخهما في وجدان القارئ كمعيارين تقاس إليهما قيمة المؤلَف وقيم (...)
كانت الشمس تزايل وهجها وتنحدر نحو المغيب، فيما تتأهب الضاحية لارتداء غلالتها الرمادية، حين حمل «سراج» حقيبته وهرع بخطى مرتبكة نحو الفناء الخارجي ليتوقف فجأةً وقد باغته شعور ظل يعاوده لعامينٍ مضيا، ما أن يعتريه حتى يكبل جسده ويمنع قدميه من أن تخطوا (...)
بينما نميل لادخار ظنوننا الخاصة حيال كاتب ما، تأتي قراءته على نحو متأنٍ ومنصف وبمعزل عن الاعتقاد السائد تجاه انتمائه لتبدد الكثير مما كنا نعتقده لصالح ما تخبرنا إياها سيرته ورؤاه وأفكاره، وما تمنح لنا أعماله من عوالم رحبة تسهم في اتساعنا وتمددنا نحو (...)
لا يُعلم على وجه اليقين ما إذا كان الشعور الذي انتاب الكاتب والروائي البرتغالي «أفونسو كروش» إبان قراءته رواية «جزيرة الدكتور مورو» للإنجليزي البارع «هربرت جورج ويلز» قد دفع به إلى الاعتقاد بأن الرواية قد تلتهمه وتقذف به نحو الشاطئ ليتشارك (...)
يُحيل اسم الكاتب والروائي التشيلي أنطونيو سكارميتا، في الغالب، إلى روايته ذائعة الشهرة «ساعي بريد نيرودا»، لا باعتبارها إحدى روائع الأدب اللاتيني وحسب، وليس لأنها أجمل الروايات التي كُتبت عن الشعر بلغة تطأ الشعر وتتواطأ مع الشاعر، بل لأنها حالة (...)
عادة ما تجترح الفلسفة لغةً جادةً وحازمةً تصف من خلالها آراءً شديدة التعقيد تتطلب لإدراكها ذهناً يقظاً ولباً نابهاً يزن مقدار خطواته داخل النص ويشعر بمواضعها، وهما السمة والمطلب اللذان خلقا فجوةً شاسعةً بين القارئ وكتب الفلسفة يلزم تجسيرها مزيجاً (...)
لعمري كم احتوت من قلوب العاشقين، وكم ارتوت منها عُروق المُحبين، وكم أشعرت فيها القوافي والمتون.
قال الشاعر:
لعمري كم حويتِ النَّاسَ قلباً ..... وما في النَّاسِ قلبٌ يحتويني !!
كُلنا جازان الإنسان والمكان، وفي كُل ظرفٍ يزدادُ حُبُك في شرايين (...)
تَخلصُ المؤلفات الفلسفية التي حوت شروحاتٍ وقراءاتٍ تُعنى بعلاقة اللغة بالفكر والمنطق إلى القول بحتميتها، وتعزو عظم أهميتها وقدرتها المستمرة على استقطاب الضوء إلى ارتباطها الوطيد بالتفكير البشري، كما هو بروزها كمحط بحث وموضع جدل فلسفيين اتسعا تحليلاً (...)
لا يبدو أنه ثمة ما يستطيع أن يمنح جوهرنا تماسكاً يبقي عليه فاعلاً وخلاقاً ويورثه ثباتاً على غرار ما يفعله الإمساك بكتاب وتقليب صفحاته واستشعار ملمسها وتتبع الجمل وتدوين الملاحظات في الحيز الفقير بين السطور وتظليل النصوص التي تثير فضولنا (...)
في الميثولوجيا الإغريقية ثمة أسطورة تدعى «صندوق باندورا» تتحدث عن امرأة منحتها الآلهة بعضاً من صفاتها قبل أن ترسلها وبرفقتها صندوق مرصع بالذهب ومزين بزخارف دقيقة ومتداخلة كامرأة أولى إلى العالم الذي كان يستوطنه الرجال.
كانت باندورا حلاً مفترضاً (...)
لطالما أمل القارئ وهو يجول الدهاليز الضيقة لمتاجر الكتب ويجيل بصره متفحصاً رفوفها المنتصبة أمامه أن يحظى بذلك الكتاب الذي يرضي ذائقته ويشبع رغبة القراءة المشتعلة في أعماقه.
يجّد في البحث عن ضالته بين ركام من المطبوعات، وما إن يعثر على ما يرى أنه (...)
أحسَبُ أنه ما إن يرد اسم الكاتب والشاعر الأرجنتيني الشهير خورخي لويس بورخيس، إلا وتتبادر إلى الأذهان صورته محاطاً بأدغال من المطبوعات في أحد دهاليز المكتبة الوطنية في بوينس آيرس، وقد أكب بوجهه على كتاب من الطراز القديم محاولاً استجلاء حروفه.
يدرك (...)
«على الكتاب أن يكون الفأس التي نحطم بها البحر المتجمد بداخلنا». (فرانز كافكا)
يتحلى قراء الروايات بقدر من الحكمة يفوق ذلك الذي يملكه أقرانهم من القراء، ويتجلى ما قد يكون امتيازاً منحه إياهم التنقل الدؤوب في عوالمٍ كثيفة الأفكار والرؤى من خلال قدرتهم (...)
تضطلع الفنون والآداب بدور هام في إغناء الحياة وازدهارها على الصعيدين الروحي والمعنوي ويصار بها إلى إضفاء معنى متبصر ومغزى عميق للوجود يحمل تلك السمات الإنسانية التي تمنح كل ما حولنا هالةً ساحرة ومقنعة تتسلل عبر مسامات أجسادنا لتحتل أذهاننا وتلهم (...)
أعمق موضوع في تاريخ الإنسان هو صراع الشك واليقين. في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين؛ عانت الإنسانية من أكثر من خمسة أوبئة خطيرة، حيث شهد العالم أزمات وبائية بيولوجية، ومنها: فيروس السارس عام 2002م، إنفلونزا الطيور عام 2003م، إنفلونزا الخنازير (...)
لطالما كان الشغف بالكتابة مثيراً للحماسةِ ومبعثاً للطاقةِ اللتين يحتاج إليهما الكاتب لكي يحول الأفكارَ والرؤى التي تختمر في رأسه أو تلمع فجأة في مخيلته إلى عمل إبداعي يسترعي اهتمام القارئ وينفذ إلى وجدانهِ ليشبع حواسه، وأبقى اشتعاله على رغبة فتية (...)
ليس ثمة ما يمكن الجزم به حيال علاقة معقدة وملتبسة كتلك التي تجمع بين الفنون بأنواعها وأشكالها المختلفة ومنظومة القيم والمبادئ التي تمثل الفضيلة وتُعنى بإشاعاتها، فلطالما ظل ما يربط بينهما متأرجحاً بين اعتقادٍ بتماهيهما وظنٍِ بأن لكل منهما أطره (...)
قد تبدو سيرة الكاتب والروائي الروسي فيودور دوستويفسكي في نظر قارئ متشكك كما لو أنها نسجت من خيالٍ أبدي الحزن، وربما علل ما يعتقده قارئ كهذا بأن ليس ثمة بين سير الروائيين الذين تصدرت أعمالهم المشهد الروائي خلال العقود الماضية ما يضاهي أو يفوق البؤس (...)
لطالما كانت الإزاحات الثقافية مآلاً حتمياً لحرفة الكتابة، وجاءت الأفكار التي تتدفق من خلال الكتب لتسهم في تحول الموروث الثقافي عن إستاتيكيته لصالح ديناميكية تعيد إليه وهجه وتمنحه الحضور الحيوي في ميادين المعرفة، وتدفع به نحو ثقافة إنسانية عابرة لأطر (...)