في ظل التحديات الاجتماعية المتزايدة، والحاجة إلى تعزيز شبكات الأمان للفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع، يبرز مفهوم التكافل الاجتماعي كأحد أهم القيم التي يدعو إليها الدين الإسلامي، وتحث عليها كل المبادئ الإنسانية. ومن هذا المنطلق، نقترح مبادرة عملية وبسيطة، يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا، بعنوان «عشرات». ما هي مبادرة «عشرات»؟ مبادرة «عشرات» تقوم على مبدأ بسيط وفعّال: اقتطاع 10 ريالات فقط من راتب كل موظف حكومي أو قطاع خاص، وتُحوّل هذه المبالغ إلى صندوق الضمان الاجتماعي أو أي جهة رسمية معنية بدعم المحتاجين في المملكة. مثال تطبيقي: • راتب 4.000 ريال؟ 10 ريالات فقط • راتب 12.000 ريال؟ 20 ريالًا • راتب 21.000 ريال؟ 30 ريالًا بكلمات أخرى، من يتقاضى راتبًا شهريًا قدره 5.000 ريال يسهم ب10 ريالات فقط، بينما من يتقاضى 15.000 ريال يسهم ب20 ريالًا شهريًا، وهكذا. مبلغ زهيد لا يُرهق الموظف، لكنه إذا طُبِّق على نطاق وطني يمكن أن يشكل رافدًا ماليًا قويًا ودائمًا لبند الضمان الاجتماعي، ويحقق مبدأ التكافل بطريقة منظمة وشفافة. مرتكزات المبادرة أولا: مرجعية شرعية الإسلام يربط التكافل بالزكاة والصدقة، ويحث على العطاء والبذل في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ قال تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا...» (التوبة: 103) واستقطاع 10 ريالات من راتب ثابت يُعد زكاة أو صدقة جارية أو إسهاما مجتمعيا لمن يستحقها، على أن يحتسب من راتب الموظف المنصوص قانونا في العقد. ثانيا: عدالة اقتصادية المبادرة تراعي العدالة في التطبيق، فالمبلغ المقتطع يتناسب مع الدخل. الموظف صاحب الراتب الأعلى يسهم بمبلغ أعلى، بينما الموظف محدود الدخل يدفع أقل، أو لا يُستقطع منه شيء إذا كان راتبه تحت حد الكفاية. ثالثا: أثر اجتماعي ملموس إذا شارك مليونا موظف فقط من العاملين في القطاعين العام والخاص بمتوسط 10 ريالات شهريًا، فسنصل إلى 20 مليون ريال شهريًا، أي 240 مليون ريال سنويًا على الأقل. وإذا توسعت المشاركة، فقد يتجاوز الأثر المالي نصف مليار ريال سنويًا، تُوجه بالكامل للفئات المستحقة، من كبار السن والأيتام والأرامل وذوي الإعاقة والمحتاجين. آلية التنفيذ المقترحة 1. إطلاق منصة إلكترونية موحدة تحت إشراف جهة رسمية (مثل وزارة الموارد البشرية أو هيئة الزكاة)، تتيح الاقتطاع التلقائي، بناءً على ما جاء في العقد. 2. إدماج المبادرة في أنظمة الرواتب الحكومية والخاصة، مع توفير مادة تنص على الاستقطاع المجتمعي ضمن عقود العمل أو عبر تطبيقات الموارد البشرية. 3. احتساب المبلغ ضمن الشراكات المجتمعية أو الزكاة السنوية، وتوفير شهادة بذلك لكل موظف مساهم. 4. شفافية كاملة عبر نشر تقارير دورية توضح المبالغ المحصلة والمستفيدين منها. خاتمة مبادرة «عشرات» ليست مجرد فكرة خيرية عابرة، بل هي مشروع وطني أخلاقي، يعكس روح الإسلام ودوره الإنساني، ويحقق أهداف «رؤية المملكة 2030» في بناء مجتمع حيوي، متكاتف، لا يُترك فيه أحد خلف الركب. إنها دعوة إلى المسؤولين والقطاع الخاص والمؤسسات الكبرى والأفراد للإسهام في بناء وطن أكثر رحمة وإنصافًا، يبدأ ب10 ريالات فقط!!