ابقاء منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل أضحى مطلبا ملحا, كما انه يغدو ملحا ايضا في سائر مناطق العالم واقاليمها, والدول الكبرى معنية كذلك كما الصغرى بأهمية تجريد اراضيها من تلك الاسلحة لاسيما بعد الكشف عن قدرات نووية اخذت في التزايد بشكل ملحوظ عن طريق شبكات دولية راحت تتاجر بمواد وتقنيات تساعد على تصنيع اسلحة نووية. ويبدو ان الحديث عن السلام الدولي سابق لأوانه في ظل انتشار تلك الاسلحة, والاخطر من ذلك ان هذه التقنيات التي اخذت تروج على نطاق واسع في الاسواق السوداء في كثير من دول العالم قد تصل الى ايدي الارهابيين, وهنا الطامة الكبرى, فتلك الفئات التي جبلت على الفتك والقتل والتدمير لن تتردد لحظة واحدة في استخدام هذه الاسلحة التدميرية الفتاكة, وهنا مكمن الخطر, وهذا يعني ان المنظمات المسؤولة عن الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل ان لم تتحرك جادة لنزع تلك الاسلحة فان ذلك يعني خطر مواجهة التدمير الذاتي بتلك الاسلحة. ولاشك في ان الضرورة تبدو واجبة لإعادة النظر في معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية, فان كانت قد حققت نجاحا مشهودا خلال العقود الثلاثة الماضية فان من الأهمية بمكان اعادة النظر في بنودها لتتواءم مع واقع الحال في هذا القرن من خلال جملة من الضوابط الاساسية التي لابد من طرحها على الساحة لتطبيقها من كافة دول العالم دون تمييز او انتقاء. فلابد على سبيل المثال من تشديد الضوابط على تصدير المواد المساعدة على صنع القنابل النووية, وهو تشديد لابد ان يرقى الى مرتبة الالزام حتى يمكن الحد من الانتشار النووي بطرق غير قانونية, والابقاء على التقنية النووية للاستخدامات السلمية. ولابد من التأكد من انها تستخدم لأغراض سلمية بالفعل. ومن الضوابط ايضا منح المفتشين الدوليين سلطات مطلقة للبحث عن تلك الاسلحة, ومنحها صلاحيات مهمات رقابية واسعة, وحث جميع دول العالم دون استثناء للانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي, كما ان الظروف الحالية تستدعي التسريع باعادة النظر في المادة الخاصة بانسجاب بعض الدول من معاهدة منع الانتشار. فهذا الانسحاب في حد ذاته يهدد السلم والأمن الدوليين بشكل مباشر، كما يجب التقليل من مخاطر عدم الانتشار المتصلة بدورة الوقود النووي مثل منشآت تخصيب اليورانيوم ونحوها للحيلولة دون استخلاص مواد تساعد مباشرة على تصنيع اسلحة نووية, كما ان من الضرورة بمكان ايقاف انتاج المواد الانشطارية للاغراض العسكرية كوسيلة تحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل. وحتى تكون الدول الكبرى قدوة لكل دول العالم قاطبة وهي الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة بمجلس الأمن (روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) ان تتخذ خطوات شجاعة وتنفذ التزاماتها طبقا لنصوص المعاهدة الدولية بحظر انتشار السلاح النووي فتقوم بنزع اسلحتها تلك بالكامل وخفض اعداد الرؤوس النووية بحوزتها حتى يقترب العالم حينئذ من اسباب الأمن الحقيقي وينعم بسلام ملموس يبعد شعوبه عن مخاوف الانفجارات النووية التي ان حدثت في ظل النزاعات الاقليمية الحالية فانها لن تبقي ولن تذر.