في سياق التحولات الوطنية التي تشهدها المملكة، لم يعد مفهوم جودة الحياة مقتصرًا على الفضاءات العامة أو المدن الحيوية، بل أصبح عنصرًا جوهريًا في بيئات العمل الوظيفية ذاتها. فبرنامج جودة الحياة -كأحد برامج رؤية السعودية 2030- أعاد تشكيل فهمنا للرفاه من كونه ترفًا إلى اعتباره محركًا تنمويًا يعزز الإنتاجية، ويرفع مستوى الانتماء، ويُسهم في بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة. ومع توسع القطاعات الحكومية وغير الربحية والخاصة، باتت بيئات العمل مطالبة بتبنّي مكونات جودة الحياة كجزء من هندسة التجربة الوظيفية: مساحات عمل ملهمة، ثقافة تنظيمية داعمة، مسارات مهنية واضحة، وحضور فعلي لممارسات الصحة النفسية والجسدية، هذه العناصر لم تعد مكملة؛ بل أصبحت معيارًا لقياس نضج المؤسسة وقدرتها على الاستدامة. لقد أثبتت التجارب الدولية -وكذلك المبادرات الوطنية- أن الاستثمار في جودة الحياة داخل المؤسسات ينعكس مباشرة على مستوى الرضا الوظيفي، تقليل دوران الموظفين، تعزيز المشاركة، ورفع الابتكار، وهو ما يتقاطع تمامًا مع اهتمامنا التنموي في صياغة مؤسسات أكثر مرونة وقدرة على خدمة مجتمعاتها، خصوصًا في القطاع غير الربحي الذي يعتمد بطبيعته على الدافعية والمعنى والارتباط بالمهمة. ربط برنامج جودة الحياة ببيئات العمل هو انتقال من التفكير التشغيلي الضيق إلى رؤية تنموية أشمل؛ رؤية ترى الموظف جزءًا من المنظومة الوطنية للرفاه، وترى المؤسسة شريكًا في تشكيل جودة الحياة، لا مستفيدًا فقط منها،وبذلك يتحول مكان العمل إلى فضاء تنموي يمكّن الإنسان، ويحقق قيمة عامة، ويترجم رؤية المملكة إلى ممارسات يومية مؤثرة.