قمة خليجية- إيطالية في البحرين لترسيخ الشراكة    السعودية والبحرين توقعان 9 مذكرات تفاهم في عدد من المجالات    العراق تتغلب على البحرين بثنائية في كأس العرب    القبض على يمني في المدينة المنورة لترويجه مواد مخدرة    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    الدفاع المدني يحتفي بيوم التطوع    «هيئة المراجعين الداخليين» تطلق أداة الذكاء الاصطناعي «سارا»    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    منال القحطاني تعيد الحياة لطفلة في لحظة حرجة    منتدى القطاع غير الربحي الدولي يبحث مستقبل الشفافية في العمل الخيري    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لجنة التنسيق السعودية الكويتية: الاتفاق على مبادرات مصانع المستقبل والتكامل في سلاسل الإمداد وقواعد المنشأ    تعليم الطائف يبرز ريادته في تمكين ذوي الإعاقة بفعاليات نوعية في يومهم العالمي    طالبان تؤكد أن أفغانستان لا صلة لها بمهاجمة الحرس الوطني بواشنطن    إثراء" يستعد لإطلاق حفل "أقرأ" الختامي في نسخته العاشرة.. الجمعة    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة ورئيس وأعضاء جمعية الرحمة الطبية    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة ويدشّن وحدة المشاركة التطوعية    زراعة عسير: ضبط 760 كجم من الأسماك والدواجن غير الصالحة للاستهلاك الآدمي    أمانة جازان تواصل حملات تحسين المشهد الحضري في وسط البلد والشامية    النفط يستقر وسط مخاوف "جيوسياسية على الإمدادات"    الذهب يتراجع مع صعود عوائد السندات الأميركية    خلال معرض الطيران العام 2025 الوعلان القابضة تستعرض خدماتها المتنوعة في قطاعي الطيران والسيارات    القضاء على سبعة مسلحين شمال غرب باكستان    ضميرية عسيرية حول المملكة وباكستان    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    المملكة تقفز بنسبة المناطق البحرية المحمية إلى 61.1 %    أمير الرياض يشهد توقيع اتفاقيات بين "الموارد البشرية" وعدد من الجهات    توطين تقنيات التصنيع الذكي    المملكة الثالث عالمياً في نماذج الذكاء الاصطناعي    ألقى بابنته من الشرفة لرفضها فسخ خطبتها    «الجوازات»: الهوية الرقمية لا تستخدم في عبور منفذ سلوى    الهلال يطلب إعفاء بونو من كأس أفريقيا.. ونونيز يريد الرحيل    اندثار المواهب والحلول لإعادة اكتشافها وصقلها    مجرد (شو) !!    قبل عرضها على سبيستون    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    القيادة تهنئ رئيس الإمارات بذكرى اليوم الوطني لبلاده    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    خطوة روسية – أمريكية نحو حل سلمي للأزمة الأوكرانية    أكد أن مزاعم «الدعم السريع» وهدنته مناورة سياسة.. الجيش السوداني يصد هجوماً على «بابنوسة»    الحوثي يعدم المدنيين بتهم «مزيفة»    جودة النظام الصحي تسبق مهارة الطبيب    شبه القراءة بالأكل    ألونسو: أهمية مبابي أكبر من أهدافه    السيتي ينجو من انتفاضة فولهام ويقلص الفارق مع آرسنال إلى نقطتين فقط    الجيش الألماني يعلن تعرّض شحنة ذخيرة للسرقة    نور الرياض    منازل نجران.. تراث أصيل    في جزيرة شورى وزيرا الرياضة والإعلام والإعلاميون.. أمرهم شورى!    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة.. القلب النابض لنهضة التسامح
نشر في الرياض يوم 27 - 11 - 2025

في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وتشتد فيه الحاجة إلى بناء مجتمعات أكثر استقرارًا وتماسكًا، يبرز التسامح ليس بوصفه قيمة أخلاقية فحسب، بل كركيزة تنموية عميقة تفتح للدول آفاقًا أوسع للنمو والازدهار.
وفي المملكة العربية السعودية، يمثّل التسامح أحد الأعمدة التي استندت إليها مشاريع التحول الوطني، ضمن رؤية 2030 التي جعلت من تعزيز التعايش والانسجام المجتمعي شرطًا أساسيًا لنجاح التنمية بكل أبعادها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
فالقدرة على احتواء الاختلاف، وتقبّل التنوع، واحترام الآخر، ليست مجرد مبادئ إنسانية؛ بل هي بنية تحتية مجتمعية لا تقل أهمية عن الطرق والموانئ والاقتصاد الرقمي. كل مشروع تنموي يحتاج بيئة هادئة تسمح بالنقاش، وبناء الثقة، وتعاون المجتمع مع مؤسساته، وهنا يظهر دور التسامح باعتباره محركًا للتواصل ومظلةً للحوار ووسيلةً لصناعة مجتمع قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة واتزان. التسامح كقوة ناعمة ساهمت في تعزيز صورة المملكة عالميًا، وكعامل مؤثر في تقليص الفجوات المجتمعية، وفي دعم المرأة والشباب، وفي خلق مجتمع يتعايش فيه الجميع داخل منظومة واحدة تؤمن بالتنوع وتحتضن التناغم الاجتماعي. كما يناقش كيف أصبحت المبادرات الوطنية في التعليم، والإعلام، والثقافة، والشؤون الدينية، أدوات رئيسية لترسيخ قيم التسامح، وتحويلها من شعارات عامة إلى ممارسات يومية تنعكس على جودة الحياة وتدفع عجلة التطور. وفي ظل عالم تتزايد فيه التحديات الفكرية والسياسية، تؤكد التجارب الدولية أن المجتمعات التي تنجح في حماية التعايش هي نفسها التي يتسارع فيها الاقتصاد، وتزدهر فيها الابتكارات، ويتضاعف فيها الاستثمار.
نشر التسامح يبدأ من داخل الأسرة
مسار التحول الوطني الذي تعيشه المملكة العربية السعودية، يبرز دور المرأة بوصفه أحد أهم التحولات الثقافية والاجتماعية التي أسهمت في إعادة تشكيل الوعي المجتمعي، خصوصًا في ما يتعلق بقيم التسامح والتعايش والانفتاح. لم تعد المرأة مجرد عنصر مشارك في التنمية، بل تحولت إلى قوة ناعمة تمتد تأثيراتها إلى الأسرة والمدرسة وبيئة العمل والإعلام والفضاء الثقافي والعلاقات الدولية. هذا الحضور الواسع جعلها شريكًا أساسيًا في نشر ثقافة التسامح، وفي تعزيز صورة المملكة كدولة تتبنى الاعتدال والانفتاح والتنوع بوصفها قيمًا محورية لرؤيتها التنموية الحديثة.
فالمرأة اليوم تمتلك تأثيرًا واسعًا في تشكيل الوعي اليومي، سواء من خلال دورها التربوي داخل الأسرة، أو حضورها في المؤسسات التعليمية، أو مشاركتها المتزايدة في الإعلام والعمل التطوعي والقطاع الثقافي. وحين نتحدث عن التسامح بوصفه ركيزة تنموية، فإننا نتحدث عن بيئة اجتماعية تسمح بتعايش الجميع، وتمنح المجتمع القدرة على مواجهة التحديات الفكرية، وتفتح أمامه أبواب الحوار بدلاً من الانغلاق والرفض والإقصاء. وهذا الدور لا يمكن تحقيقه من دون صوت المرأة الذي بات حاضرًا بقوة في المشهد السعودي.
وتبدأ رحلة المرأة في نشر التسامح من داخل الأسرة، حيث يُعد المنزل البذرة الأولى للوعي الاجتماعي. فالأم تُحدد من خلال أساليب تربيتها طريقة تفكير الأبناء ونظرتهم للعالم، وتُعلّمهم كيفية التعامل مع الاختلاف، واحترام الآخرين، والابتعاد عن الأحكام المسبقة. وفي مجتمع يشهد نسبة مرتفعة من الشباب، تتضاعف أهمية هذا الدور، إذ إن تأثير المرأة في صناعة جيل قادر على التعايش مع التنوع الثقافي والفكري يشكّل حجر أساس لبناء مجتمع أكثر وعيًا وتسامحًا. ومن هذه النقطة الأولى، تبدأ دوائر تأثير التسامح في الاتساع لتصل إلى المدرسة والجامعة وأماكن العمل والمؤسسات الثقافية.
وحين تنتقل المرأة إلى الفضاء العام، يبرز دورها في الإعلام بوصفه الصوت الأكثر حضورًا وتأثيرًا في تشكيل الاتجاهات والقيم. فالإعلاميات والصحفيات والكاتبات قدّمن خطابًا أكثر اعتدالًا واتزانًا، يبتعد عن التوتر ويقترب من الإنسان، ويفتح مساحات للحوار بدلاً من تضييقها. هذا الحضور الإعلامي النسائي منح المجتمع قدرة أكبر على رؤية القضايا بعيون أكثر رحابة، وأسهم في تخفيف حدة الصور النمطية، وتحويل التسامح من فكرة إلى ممارسة يومية تنعكس في الرسالة الإعلامية وفي طريقة تناول الأحداث والقضايا.
وفي القطاع الثقافي، توّسع دور المرأة ليشمل إدارة المتاحف والمراكز الثقافية والبرامج التي تسهم في تعزيز فهم المجتمع للتراث والتنوع الثقافي. هذا الحضور خلق فضاءات ثقافية جديدة تُعزّز قيمة الحوار وتُقرّب بين الفئات المختلفة، وتعيد تقديم مفهوم الهوية السعودية بوصفه هوية واسعة ومتنوعة وقادرة على استيعاب الاختلاف. وفي العمل التطوعي والأنشطة الاجتماعية، كانت المرأة في مقدمة المبادرات التي تناهض التعصب والعنف اللفظي والتنمر، وتروّج لثقافة التفاهم، وتدعم الفئات الأكثر هشاشة، وتبني جسورًا بين المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات.
ويأتي التعليم بوصفه الساحة الأكبر التي تظهر فيها قدرة المرأة على ترسيخ قيم التسامح. فالمعلمة داخل الفصل ليست مجرد ناقلة للمعلومة، بل هي صانعة للوعي وسلوكيات التفاعل بين الطالبات. ومن خلال البرامج التربوية الحديثة، وتشجيع الحوار، وتنمية مهارات النقاش، وتعزيز احترام التنوع، تخلق المرأة بيئة مدرسية آمنة أكثر انفتاحًا، تُقلّل من ظواهر التنمر والإقصاء، وتُعد أجيالًا مهيأة للتعايش مع عالم متنوع الثقافات. وكلما زاد حضور المرأة في مواقع التعليم والإدارة المدرسية، زاد تأثيرها في صناعة مجتمع أكثر اتزانًا وتسامحًا.
ومع توسع مشاركة المرأة في سوق العمل، برزت بيئات مهنية جديدة تتشكل على أسس الاحترام والتعاون بين الجنسين. دخول المرأة إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة ساعد في خلق ثقافة مؤسسية تقوم على العمل الجماعي، وتجاوز الأفكار النمطية، واحترام الاختلافات. هذه التحولات ليست مجرد تقدم اقتصادي؛ بل هي تحولات قيمية تؤسس لمجتمع مهني أكثر مرونة وانفتاحًا، يُسهم في ترسيخ مفهوم التسامح داخل المؤسسات نفسها وبين العاملين فيها. وبهذا أصبحت المرأة عنصرًا رئيسيًا في بناء بيئات عمل أكثر صحة وتوازنًا.
وعلى المستوى الدولي، باتت المرأة السعودية حاضرة في الوفود الرسمية والمشاركات العالمية، سواء في الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية، أو المؤتمرات الاقتصادية، أو المنتديات الثقافية. وهذا الحضور جعلها سفيرة للقيم الإنسانية السعودية الجديدة، تحمل معها رسالة المملكة القائمة على الاعتدال والتعايش. ومن خلال هذا الدور الدبلوماسي الناعم، أسهمت المرأة في تحسين صورة المملكة عالميًا، وفتح قنوات جديدة للتفاهم الثقافي والحضاري، وإبراز العمق الإنساني للمجتمع السعودي، ما يجعلها عنصرًا محوريًا في القوة الناعمة للمملكة.
وبين كل هذه الأدوار، تقف رؤية 2030 كخلفية رئيسية لتمكين المرأة وتعزيز قيم التسامح. فالرؤية انطلقت من إيمان بأن بناء مجتمع مزدهر لا يتحقق دون قيمة التسامح، ولا يكتمل دون تمكين المرأة لتكون شريكًا كاملًا في التنمية. وكلما زاد حضور المرأة في الحياة العامة، اتسعت دوائر التفاعل الإيجابي داخل المجتمع، وانخفض مستوى التعصب، وارتفعت فرص الحوار والتفاهم. وبهذا يتحول دور المرأة من مشاركة جزئية إلى ركيزة أساسية في بناء مجتمع أكثر انسجامًا، قادر على دعم التنمية، ومهيأ لمواجهة تحديات المستقبل.
وبذلك يتضح أن دور المرأة السعودية في نشر ثقافة التسامح لا يُعد دورًا مكملًا، بل هو دور محوري وأساسي في صياغة ملامح المجتمع السعودي الحديث. فهي صانعة الوعي، وناقلة القيم، وجسر التفاهم بين الأجيال، وصوت الاعتدال في الإعلام والثقافة، وقيادية في التعليم، وشريك في التنمية، وسفيرة للقيم السعودية في الخارج. هذا الدور المتسع يعكس حقيقة أن التسامح ليس مجرد قيمة تُدرّس، بل ممارسة يصنعها المجتمع، وتقودها المرأة، وتُكرّسها رؤية وطنية جعلت من الإنسان محورًا ومن الوعي أداةً ومن التعايش أسلوب حياة.
رؤية 2030.. اتساع الآفاق وتقدم المرأة
في السنوات الأخيرة، لم يعد الحديث عن تمكين المرأة مجرد عبارة تتكرر في الخطاب التنموي، بل أصبح واقعًا ملموسًا يتبدّل معه شكل المشاركة الوطنية. فقد جاءت رؤية السعودية 2030 لتعيد رسم ملامح الأدوار الاجتماعية والمهنية، وتفتح أمام المرأة مساحات لم تكن متاحة من قبل، ليس بوصفها خطوات رمزية، بل بوصفها تحولات هيكلية صنعت حضورًا نسائيًا واسعًا في مجالات تعتمد على التنوع، الإبداع، المشاركة الفاعلة، وصنع القرار. ومن خلال هذا التحول، لم تكتفِ الرؤية بتمكين المرأة وظيفيًا، بل أعادت تشكيل علاقتها بالاقتصاد، والثقافة، والابتكار، ومواقع التأثير في مستقبل التنمية السعودية.
ومنذ انطلاق الرؤية، بدأت مسارات المشاركة النسائية تتجه نحو القطاعات الجديدة التي تتطلب مهارات متعددة، وقدرة على العمل في بيئات ديناميكية، وتفاعل مستمر مع التنوع المهني والثقافي داخل المؤسسات. فحضور المرأة في سوق العمل لم يعد محصورًا في مجالات تقليدية، بل امتد إلى قطاعات اقتصادية وتقنية حيوية مثل الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، التقنية المالية، الخدمات اللوجستية، الصناعات الإبداعية، وقيادة المشاريع السياحية والثقافية الكبرى. هذا التحول جعل المرأة جزءًا من عجلة التغيير الوطني، وشريكًا مباشرًا في صناعة اقتصاد المستقبل.
ويبرز قطاع التقنية مثالًا واضحًا على مدى توسع هذه المساحات؛ إذ أصبح حضور المرأة في مجالات البرمجة، والتطوير الرقمي، وتحليل البيانات، وإدارة المشاريع التقنية، جزءًا من حركة وطنية واسعة لإعادة بناء الاقتصاد على أساس المعرفة والابتكار. وفي هذا القطاع تحديدًا، تُعد بيئة العمل المتنوعة عنصرًا أساسيًا للنجاح، ما جعل مشاركة المرأة ضرورة تنموية وليست خيارًا إضافيًا. فقد أسهمت المبادرات الوطنية في رفع نسبة مشاركة المرأة في الوظائف التقنية، وتوفير برامج تدريب وتأهيل متقدمة، وإطلاق مسارات للقيادة النسائية داخل الشركات التقنية العالمية التي تعمل في المملكة.
وفي موازاة ذلك، شهد قطاع السياحة والثقافة تحولًا تاريخيًا، حيث أصبحت المرأة أحد أهم المحاور في تطوير التجارب السياحية، وإدارة المواقع التراثية، وتصميم الفعاليات، وتقديم المحتوى الثقافي والإبداعي. ومع توسع المشاريع الكبرى مثل العلا والقدية والبحر الأحمر، ظهرت فرص نوعية تعتمد على مهارات التواصل، الإبداع، وفهم الجمهور المتعدد الخلفيات، ما جعل من التنوع عنصرًا رئيسيًا ومن حضور المرأة قيمة مضافة في تعزيز التجربة السياحية الوطنية. ولم يكن هذا التحول مجرد توسيع لفرص التوظيف، بل هو إعادة صياغة لدور المرأة في صناعة الهوية الثقافية السعودية الحديثة.
أما في القطاعات الاقتصادية التقليدية، فقد توسع دور المرأة ليشمل مواقع اتخاذ القرار، وإدارة الشركات، وتطوير السياسات، ومجالس الإدارة. هذا التحول رفع من مستوى المشاركة الفاعلة داخل القطاع الخاص، وأوجد نماذج قيادية نسائية أصبحت جزءًا من المشهد الاقتصادي الجديد. وفي قطاع ريادة الأعمال، شهدت المملكة صعودًا واسعًا لمشاريع تقودها نساء في مجالات تعتمد على الابتكار والتنوع مثل التصميم، التقنيات الناشئة، الخدمات المتخصصة، المشاريع الثقافية، والاقتصاد الإبداعي، وهو ما يعكس تحوّلًا عميقًا في ثقافة العمل نفسها.
وتأتي الرياضة بوصفها أحد أكثر المجالات التي تعكس قدرة الرؤية على خلق مساحات جديدة للمرأة. فالمشاركة النسائية لم تعد مقتصرة على الرياضة الترفيهية، بل امتدت إلى الاحتراف، والإدارة الرياضية، وتنظيم البطولات، والعمل ضمن الاتحادات واللجان الأولمبية. هذه البيئة الجديدة تعتمد بطبيعتها على العمل الجماعي، والتفاعل مع ثقافات متعددة، وصنع تجربة رياضية متكاملة، ما ينسجم مع جوهر الرؤية التي تقوم على تنمية مجتمع حيوي متنوع المشاركة.
وعلى المستوى الدبلوماسي والسياسي، شهدت المرحلة الحالية توسعًا كبيرًا في مشاركة المرأة داخل وزارة الخارجية، والسلك الدبلوماسي، والوفود الدولية. وبهذا أصبحت المرأة جزءًا من صناعة السياسات الخارجية وتمثيل المملكة في المحافل العالمية، وهي مجالات تتطلب قدرة على التفاوض، وإدارة الحوار، والعمل في بيئات دولية متباينة الخلفيات والثقافات. وهذا التوسّع يعكس ثقة الدولة في قدرة المرأة على الإسهام في صياغة المصالح الوطنية ضمن إطار العمل الدولي المتعدد الأطراف.
ولا يمكن الحديث عن التنوّع دون التطرّق إلى قطاع الثقافة والفنون، الذي شهد دخولًا واسعًا للنساء عبر السينما، الموسيقى، الفنون البصرية، المسرح، وإدارة المؤسسات الثقافية. هذا القطاع يعتمد على الإبداع والتعبير الفردي، ويستند إلى مشهد واسع من التفاعل المجتمعي، ما جعل حضور المرأة فيه عاملاً رئيسيًا لإثراء الهوية الثقافية السعودية وإظهار بعدها الإنساني المتنوع. ومع إطلاق برامج دعم الفنانين، وصناديق تمويل المشاريع الإبداعية، والمعاهد المتخصصة، بات للمرأة مساحة للتجريب، والإنتاج، والابتكار، وإعادة تشكيل المشهد الثقافي الوطني.
وترافق هذا التوسع مع منظومة تشريعية وتنظيمية دعمت دخول المرأة إلى بيئات عمل جديدة من خلال إصلاحات في قوانين العمل، وتحسين بيئة القطاع الخاص، وتطوير أنظمة الحماية والدعم المهني، وإتاحة فرص التدريب والابتعاث والتمكين المالي. هذه الإصلاحات لم تكتفِ بتوفير الوظائف، بل أسست لبيئات عمل عادلة وشاملة تتيح للمرأة أن تشارك بفاعلية وتقدّم مهاراتها من دون عوائق.
وفي قطاع الصحة والعلوم، ظهرت أدوار جديدة للمرأة في مجالات البحث العلمي، وإدارة المنشآت الصحية، والتقنيات الطبية المتقدمة، والبحوث الدوائية. هذه المساحات تعتمد بطبيعتها على الفريق المتعدد التخصصات، وعلى القدرة على التعامل مع الابتكار الطبي، وهو ما جعل مشاركة المرأة عنصرًا محوريًا في تطوير القطاع الصحي الوطني ورفع مستوى كفاءته.
ومع تنامي هذه المشاركة المتعددة، تشكّل نموذج سعودي جديد للمرأة يختلف جذريًا عمّا كان عليه في العقود الماضية. فهي لم تعد فقط جزءًا من التنمية، بل أصبحت عنصرًا يؤدي دورًا متكاملًا في الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والابتكار. وكلما توسّعت رؤية المملكة في تنويع اقتصادها، كلما اتسعت أدوار المرأة في المجالات التي تعتمد على الإبداع وعلى التفاعل المستمر مع بيئات مختلفة، ما يجعلها اليوم شريكًا رئيسيًا في مسيرة التحول الوطني.
إن حضور المرأة في هذه المساحات الجديدة ليس حدثًا عابرًا، بل دليل على تحول تاريخي يضعها في مقدمة القوى الوطنية القادرة على رسم مستقبل أكثر تنوعًا وابتكارًا. فالرؤية لم تفتح الأبواب فقط، بل نقلت المرأة إلى قلب المشاريع الكبرى، وإلى مواقع التأثير في بناء مجتمع وطني متنوع ومشارك وفاعل. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن رؤية 2030 لم تمنح المرأة مساحة فحسب، بل منحت الوطن نفسه مساحة أوسع للنمو من خلال قدرات نصفه الآخر.
في ضوء ما حققته المملكة من إنجازات ملموسة خلال مسيرة التحول الوطني، يتضح أن رؤية 2030 لم تكن مجرد خارطة طريق اقتصادية واجتماعية، بل كانت إطارًا متكاملاً لصناعة مجتمع حديث متنوع الفرص، يسوده التسامح، ويعتمد على مشاركة جميع مكوناته، وعلى رأسها المرأة. فالمشاركة النسائية لم تعد شعارًا أو خطوة رمزية، بل أصبحت قوة فاعلة وصانعة للتغيير، تساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، ودعم الاقتصاد، وإثراء الثقافة الوطنية، وبناء صورة عالمية للمملكة بوصفها دولة تتبنى الاعتدال والانفتاح والاحترام المتبادل. لقد أثبتت التجربة السعودية الحديثة أن المرأة عندما تُمنح الفرصة، يمكنها أن تكون محورًا لتطوير سياسات مبتكرة، ورافدًا للتنوع الاقتصادي، وركيزة لتعزيز القيم المجتمعية. فهي اليوم تشارك في إدارة المؤسسات الاقتصادية الكبرى، وفي القطاعات التقنية والإبداعية والثقافية، وفي التعليم والبحث العلمي، وفي المجال الرياضي والسياسي والدبلوماسي، لتصبح بذلك عنصرًا أساسيًا في صناعة القرار الوطني وصياغة مستقبل المملكة. هذا التوسع في المشاركة يضمن أن كل خطوة تنموية تتواكب مع رؤية شاملة للتطور، حيث يصبح التسامح ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل ممارسة يومية، وبنية تحتية اجتماعية تمكّن الجميع من العمل في بيئة متناغمة ومتوازنة. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن رؤية 2030 لم تفتح للمرأة أبوابًا جديدة فقط، بل وسعت آفاق الوطن بأسره، ومنحت المجتمع فرصة لإعادة تعريف النجاح، ليس بمقاييس اقتصادية فقط، بل بمؤشرات اجتماعية وثقافية متقدمة، حيث يصبح التسامح والاعتدال عنصرين أساسيين في معادلة التنمية. فتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في جميع ميادين الحياة يعكس فهمًا عميقًا بأن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة جميع أطراف المجتمع، وأن القوة الحقيقية للأمة تنبع من تنوع مهارات أبنائها وقدرتهم على التعاون والابتكار. وفي النهاية، يظل حضور المرأة في المملكة السعودية اليوم رمزًا لرؤية وطنية طموحة، ورسالة واضحة إلى العالم بأن الدولة قادرة على تحويل الطموح إلى واقع ملموس، وأن التسامح والتمكين أدوات استراتيجية لبناء مجتمع متماسك، مزدهر، ومبتكر. فهي الشريك الذي يقود التغيير، والمحفز الذي يوسع الفرص، والضامن لاستمرار المسيرة التنموية على أسس العدالة، والاحترام المتبادل، والمشاركة الفاعلة. ورؤية 2030، بهذا المعنى، ليست مجرد خطة مستقبلية، بل هي تجربة حية تُظهر كيف يمكن للقيم الوطنية، وعزم القيادة، وإصرار المرأة، أن تتكامل لتصنع مجتمعًا قادرًا على مواجهة تحديات العصر، ومواصلة مسيرة النمو والازدهار بثقة وثبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.