ملتقى الحكومة الرقمية 2025 يؤكد ريادة المملكة في التحول الرقمي عالميًا    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    بنك الجزيرة يدعم نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة في ملتقى بيبان 2025    وزير الإعلام سلمان الدوسري يقدّم العزاء للمستشار فهد الجميعة في وفاة والده    من التقويم إلى التميز الحقيقي: رؤية أعمق للمدرسة المبدعة    المملكة تشارك في اليوم العالمي للاحتضان عبر أكثر من 11 ألف أسرة محتضنة    فيما كنتم تتفرجون    مبادرة تصنع أجيالا تفتخر    الشرع يصل واشنطن في أول زيارة رسمية لرئيس سوري.. يلتقي مع ترامب غدًا    إطلاق مبادرة الاستدامة السياحية في عسير    وزارة الشؤون الإسلامية تواصل حراكها النوعي داخلياً وخارجياً وتُتوَّج بتكريم دولي لمعالي الوزير "    السعودية تستضيف المؤتمر الوزاري ال11 للدول الأقل نموا LDCMC11    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار خفيفة    بعد النفط.. السعودية أكبر مُصدِّر للبيانات في العالم    الفلبين تستعد لعاصفة جديدة بعد إعصار كالمايجي    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في الجنوب السوري    العراق يدخل الصمت الانتخابي تمهيداً لاقتراع نيابي    النصر يعبر نيوم بثلاثية ويحافظ على صدارة روشن    حسم ديربي جدة.. الأهلي يهزم الاتحاد بهدف محرز    في المرحلة ال 11 من الدوري الإيطالي.. نابولي ضيفاً على بولونيا.. وروما وإنتر في مواجهة أودينيزي ولاتسيو    الأخضر يدشن معسكر جدة    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    285 مليار دولار استثمارات أوروبية بدول «التعاون»    التسجيل في «ألف ميل»    اتفاقيات وابتكارات ترسم مستقبل البناء    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    الإطاحة ب«لص» نام أثناء السرقة    «المنافذ الجمركية» تسجل 1441 حالة ضبط    83 قضية تجارية يوميا    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ صباح جابر فهد المالك الصباح    القيادة تعزّي رئيس جمهورية الفلبين في ضحايا إعصار (كالمايجي)    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    عمليات نسف واسعة في خان يونس.. تجدد القصف الإسرائيلي على غزة    إحالة طليقة السقا للمحاكمة ب«تهمة السرقة»    السجن لبريطاني مفتون ب«أفلام التجسس»    قصص الرياضيين العظماء.. حين تتحوّل السيرة إلى مدرسة    مجتمع متسامح    واتساب يطلق ميزة لوقف الرسائل المزعجة    المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    ديوانية الأطباء تكرم القحطاني    كيسي نجم الأهلي: مباريات الديربي تكسب ولا تلعب    الأهلي يتغلب على الاتحاد بهدف في دوري روشن للمحترفين    مدرب الأهلي: فخور بجميع اللاعبين والانتصار يُنسب للجميع    «أمن الحج والعمرة».. الإنسانية بكل اللغات    موسم الزيتون ملطخ بالدم    الشؤون الإسلامية في جازان تنفّذ أكثر من (40) ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد خلال شهر ربيع الثاني 1447ه    حب المظاهر آفة اجتماعية    الفيصل رئيسًا لاتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية حتى 2029    رئيس وزراء النيجر يزور المسجد النبوي    التحول الصحي.. من العلاج للوقاية    دفعة جديدة من المساعدات السعودية لقطاع غزة    المملكة تعزي تركيا في ضحايا الحريق بولاية كوجالي    وحدة الأورام المتنقلة.. نقلة نوعية في الرعاية الصحية المتنقلة بوزارة الداخلية    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج في نسخته ال 5 غدا الأحد    محافظ القطيف يدشّن مبادرة «سكرك بأمان» للتوعية بالسكري    نائب امير مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وطن يكتب للعالم قصيدة انسجام
نشر في الرياض يوم 06 - 11 - 2025

في عالم تتسارع فيه وتيرة التحولات الاجتماعية والثقافية، وتتعاظم فيه الحاجة إلى مدّ جسور التفاهم الإنساني بين الشعوب، تبرز مبادرة "التواصل مع المقيمين» بوصفها أحد المشاريع النوعية التي تعكس الوجه الحقيقي للمملكة العربية السعودية في سعيها لبناء مجتمع متماسك ومنفتح على العالم في آنٍ واحد. فهذه المبادرة لا تقتصر على تعزيز الحوار بين المواطنين والمقيمين، بل تتجاوز ذلك لتكون منصة للتقارب الحضاري وتبادل الثقافات والخبرات في إطار من الاحترام والتقدير المتبادل، بما يعزز القيم الإنسانية المشتركة التي تقوم عليها رؤية المملكة 2030. إنّ فكرة "الانسجام العالمي" تنطلق من قناعة راسخة بأنّ التنوع ليس اختلافًا بل إثراء، وأنّ المجتمع السعودي بما يحمله من عمق تاريخي وقيمي قادر على استيعاب التنوع الثقافي والإسهام في تحويله إلى مصدر قوة ووحدة. ومن هنا، تسعى المبادرة إلى إتاحة مساحات حقيقية للتفاعل الإيجابي بين مختلف الجاليات المقيمة في المملكة، من خلال فعاليات وأنشطة متنوعة تسلط الضوء على التراث، واللغة، والفنون، والعادات، وتُبرز في الوقت ذاته روح الترحيب والكرم التي تميز المجتمع السعودي. كما تأتي هذه الخطوة ضمن الجهود الوطنية لتعزيز صورة المملكة عالميًا بوصفها وطنًا للتنوع والتعايش، ومركزًا إنسانيًا يستقطب الطاقات والمواهب من كل أرجاء المعمورة. إنها رسالة سلام وانفتاح، ومظهر من مظاهر الوعي الاجتماعي الذي يعكس نضجًا حضاريًا وحرصًا على أن تكون العلاقات الإنسانية أكثر دفئًا وتعاونًا، تمهيدًا لبناء مجتمع عالمي منسجم تحت مظلة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
أفق إنساني وحضاري رحب
تسعى مبادرة "التواصل مع المقيمين بشعار – انسجام عالمي" إلى تحقيق أهداف تتجاوز البعد الاجتماعي إلى أفقٍ إنساني وحضاري أرحب، إذ تُجسّد الرؤية السعودية في بناء مجتمع حيوي يتفاعل فيه الجميع بانسجامٍ واحترامٍ متبادل، بغضّ النظر عن اللغة أو الجنسية أو الخلفية الثقافية. ومن خلال برامجها المتنوعة، تركّز المبادرة على تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التفاعل الإيجابي مع المقيمين بوصفهم شركاء في التنمية، ومساهمين فاعلين في مسيرة التطور التي تشهدها المملكة في مختلف المجالات. كما تهدف إلى خلق بيئة تواصل مستدامة قائمة على الفهم المشترك والتقدير المتبادل، عبر فعاليات ثقافية وفنية وتعليمية تُبرز تنوع الثقافات المقيمة في المملكة وتسلط الضوء على نقاط الالتقاء بين الشعوب. ولا تقف المبادرة عند حدود التبادل الثقافي فحسب، بل تمتد لتلامس جوانب إنسانية عميقة، إذ تعمل على بناء جسور ثقة وتقدير متبادل بين الأفراد، وتغرس في النفوس روح المسؤولية الاجتماعية والتكامل الإنساني، بما يعكس جوهر الهوية السعودية القائمة على التسامح والكرم والانفتاح. ومن هذا المنطلق، تُعد "انسجاما عالميا" أكثر من مجرد مبادرة، فهي حراك وطني إنساني يجسّد القيم السعودية الأصيلة في صورتها الحديثة، ويترجم التزام المملكة برؤية 2030 التي جعلت من التعايش والتنوع الثقافي أحد ركائز التنمية المستدامة ومقومات القوة الناعمة السعودية.
كما تسعى المبادرة إلى تسليط الضوء على واقع حياة المقيمين في المملكة من مختلف الجنسيات، عبر استعراض تفاصيل حياتهم المهنية والعائلية، وأنشطتهم الاجتماعية والثقافية والترفيهية، ودورهم المحوري في دعم عجلة الاقتصاد الوطني. كما تبرز قصص نجاحهم التي تعكس حجم الفرص التي توفرها المملكة لكل من يعيش على أرضها، وتستعرض في الوقت ذاته ثراء ثقافاتهم وتنوعها، وكيف أسهم هذا التنوع في خلق حالة من التكامل والانسجام المجتمعي مع المواطنين. وتُبرز المبادرة أيضًا الجهود الكبيرة التي تبذلها القطاعات الحكومية والخاصة لرفع جودة الحياة في المدن السعودية، بما يعزز من مكانة المملكة كنموذج عالمي للتعايش والتطور المستدام.
دور المرأة في ترسيخ جسور التعايش والتقارب
ُتعد المرأة أحد أبرز عناصر القوة الناعمة في المملكة، وجسرًا حقيقيًا للتقارب الثقافي والاجتماعي بين المواطنين والمقيمين على حد سواء، إذ تلعب دورًا محوريًا في تعزيز قيم التواصل والتفاهم داخل النسيج المجتمعي المتنوع الذي تحتضنه المدن السعودية اليوم. فبفضل ما حظيت به المرأة السعودية من تمكين ودعم غير مسبوق في ظل رؤية 2030، أصبحت أكثر حضورًا في المشهد العام، وأسهمت بوعيها وثقافتها وانفتاحها على الآخر في بناء جسور من الاحترام والتفاعل الإيجابي مع المقيمين من مختلف الثقافات. فهي المعلمة والطبيبة والإعلامية ورائدة الأعمال التي تفتح نوافذ الحوار والتقارب الإنساني من خلال تعاملها اليومي المهني والاجتماعي، بما يعكس الوجه الحضاري للمرأة السعودية ووعيها العالمي المتوازن.
إن دور المرأة لا يقتصر على كونها مشاركة فاعلة في ميادين العمل، بل يتجاوز ذلك إلى كونها صانعة للانسجام داخل المجتمع؛ فهي تربي الأجيال على قيم التعايش وقبول الآخر، وتساهم من موقعها الأسري والتربوي في ترسيخ ثقافة الحوار والانفتاح، لتصبح بذلك محورًا أساسًا في تكوين وعيٍ اجتماعي أكثر رحابة وتسامحًا. كما تُعتبر المرأة المقيمة في المملكة بدورها شريكةً في هذا الجسر الإنساني، إذ أسهمت في نقل ثقافتها وإثراء المشهد المحلي بعاداتها وفنونها، لتتشكّل بذلك لوحة فسيفسائية تعكس تنوع المجتمعات المقيمة وتمازجها الإيجابي مع الهوية السعودية الأصيلة. وفي هذا السياق، تجسّد المرأة -سعودية كانت أو مقيمة- قوة ناعمة تترجم القيم السعودية في أبهى صورها؛ فهي قادرة على التعبير عن الاحترام والتقدير للثقافات الأخرى دون أن تفقد ارتباطها بجذورها وثوابتها. ومن خلال مشاركتها في المبادرات الاجتماعية، والأنشطة التطوعية، والفعاليات الثقافية المشتركة، تثبت المرأة أنها ليست فقط رمزًا للعطاء الوطني، بل جسرًا حضاريًا يربط بين الشعوب والثقافات ويعزز مكانة المملكة كمجتمع عالمي متنوع، يلتقي فيه الشرق والغرب تحت مظلة التفاهم الإنساني المشترك.
بناء بيئة عمل متكاملة ومتنوعة
يمثل تمكين المرأة في بيئة العمل المتنوعة أحد أبرز التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المملكة في إطار رؤية السعودية 2030، التي جعلت من المشاركة النسائية في سوق العمل محورًا رئيسًا لعملية التنمية المستدامة. فقد أصبح حضور المرأة السعودية اليوم أكثر شمولًا وتأثيرًا في مختلف القطاعات، من الأعمال والاقتصاد إلى الابتكار والتقنية والقيادة الإدارية، وهو ما أسهم في إعادة صياغة المشهد المهني داخل المملكة، ليكون أكثر تنوعًا وشمولًا وعدالة في الفرص. إن تمكين المرأة لم يعد مجرد خطوة رمزية أو استجابة لمتطلبات التنمية الحديثة، بل أصبح استثمارًا في طاقات بشرية واعدة أثبتت جدارتها وقدرتها على الإبداع والتطوير، حيث أثبتت المرأة السعودية حضورًا لافتًا في مواقع القيادة واتخاذ القرار، وأسهمت في دفع عجلة التغيير داخل المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء. ومع تنامي الوعي المؤسسي بأهمية التنوع في بيئة العمل، باتت مشاركة المرأة عنصرًا أساسيًا في تحقيق التوازن، وتعزيز ثقافة الإبداع الجماعي، ورفع كفاءة الإنتاج من خلال اختلاف وجهات النظر والخبرات المتنوعة التي تثري بيئة العمل وتمنحها ديناميكية متجددة.
كما يُعدّ تمكين المرأة المقيمة في المملكة جزءًا من هذا التحول الإيجابي، إذ وفّرت القوانين الجديدة والبيئة التنظيمية الداعمة فرصًا متكافئة للجميع، ما أتاح للمقيمات إبراز مهاراتهن والمساهمة في تطوير قطاعات مختلفة، من التعليم والصحة إلى الفن والتقنية وريادة الأعمال. هذا التنوع النسائي في سوق العمل السعودي يعكس الانسجام العالمي الذي تنادي به المبادرة، ويؤكد أن بيئة العمل السعودية أصبحت نموذجًا يُحتذى في الانفتاح والتكامل بين الثقافات.
ومن الناحية الاجتماعية، أسهم تمكين المرأة في خلق بيئة عمل إنسانية أكثر وعيًا وتقبّلًا للتنوع، حيث باتت المرأة ركيزة أساسية في نشر قيم الاحترام، والاحتواء، والتعاون المهني بين المواطنين والمقيمين. فوجودها في مواقع التأثير والقيادة عزّز مفهوم العمل الجماعي القائم على الكفاءة لا النوع، وعلى الإنجاز لا الهوية، لتصبح المرأة رمزًا للتوازن بين الطموح المهني والمسؤولية الاجتماعية، وجسرًا يربط بين قيم التمكين المحلي وروح الانسجام العالمي.
الفنون.. منصة لتقارب الشعوب
تُعد الفنون بجميع أشكالها لغة عالمية تتجاوز الحدود والاختلافات، فهي لا تحتاج إلى ترجمة لتُفهم، بل تنفذ مباشرة إلى الوجدان الإنساني، وتوحّد المشاعر رغم تباين اللغات والثقافات. وفي المملكة العربية السعودية، أصبحت الفنون بمختلف أنواعها -من الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية والسينما والتصوير وحتى الأزياء- أداة فعّالة للتقارب والتواصل بين المواطنين والمقيمين، حيث تشهد الساحة الثقافية السعودية حراكًا غير مسبوق فتح الأبواب أمام الجميع للمشاركة والإبداع والتعبير عن الذات.
لقد نجحت الفنون في أن تكون جسرًا للتفاهم والتلاقي بين أبناء المجتمع السعودي والجاليات المقيمة، إذ تُتيح الفعاليات الفنية والمهرجانات الثقافية مساحة واسعة للتفاعل الإنساني، حيث يلتقي الإبداع السعودي بجمال التنوع الثقافي الذي يجلبه المقيمون من مختلف أنحاء العالم. ففي المعارض الفنية مثلاً، تتجاور اللوحات التي تعبّر عن الصحراء السعودية مع الأعمال التي تحمل رموزًا آسيوية أو أفريقية أو أوروبية، في مشهدٍ يترجم انسجام الإنسان مع الإنسان مهما اختلفت أصوله.
كما أسهمت الهيئات الثقافية السعودية، مثل هيئة الأدب والنشر والترجمة وهيئة الفنون البصرية وهيئة الموسيقى، في دعم هذا التنوّع الفني، من خلال مبادرات تُشرك المقيمين في البرامج والفعاليات الوطنية، وتشجّع الحوار الإبداعي عبر ورش العمل والمعارض المشتركة. وبذلك أصبحت الفنون منصة للتعارف الثقافي والتبادل الحضاري، تُعبّر فيها المواهب المقيمة عن حبّها للمملكة من خلال إبداعها الفني، بينما يحتضن الفنانون السعوديون هذه الطاقات بروح من الانفتاح والترحيب، ليشكّلوا معًا لوحة فنية إنسانية عنوانها الاحترام والانسجام. ولأن الفن انعكاس للروح والوجدان، فقد أسهم هذا التفاعل الإبداعي في تعزيز صورة المملكة عالميًا كمركز ثقافي متنوع يحتضن المواهب من مختلف الجنسيات، ويؤمن بأن الإبداع لا وطن له. لقد تحوّلت الفنون إلى لغة تواصل صامتة ولكنها عميقة التأثير، تعبّر عن المشاعر المشتركة، وتنشر قيم التسامح والتقارب بين المقيمين والمواطنين، لتغدو الفن جسراً وجدانياً وإنسانياً يوحّد القلوب قبل الكلمات، ويُجسّد مفهوم "الانسجام العالمي" في أبهى صوره.
الإنسان الثروة الحقيقية
في نهاية المطاف، يتجلّى جوهر مبادرة "التواصل مع المقيمين – انسجام عالمي" في كونها أكثر من مجرد مشروع اجتماعي، بل رؤية وطنية تُترجم مبادئ الإنسانية التي تأسست عليها المملكة، وتُبرز الوجه المشرق لمجتمعٍ يؤمن بأن التنوّع هو أساس الإبداع والنهضة. لقد نجحت المملكة في تحويل التنوع الثقافي والسكاني إلى طاقة إيجابية توحّد لا تفرّق، وتبني لا تهدم، من خلال سياسات احتواء ودمج متوازنة جعلت من أرضها نقطة التقاء فريدة بين شعوب العالم. وفي كل مبادرة أو فعالية أو حراك مجتمعي، يتجدد الإيمان بأن التواصل الإنساني هو الجسر الأصدق نحو التقدّم، وأن بناء الوطن لا يكتمل إلا بتكامل جميع مكوناته، مواطنين ومقيمين، يعملون بروح واحدة من أجل مستقبل مشترك. فالمملكة لا تحتضن الناس فحسب، بل تحتضن أحلامهم، وتمنحهم مساحة للتعبير والمشاركة والإسهام، لتصبح نموذجًا عالميًا في صناعة التعايش والسلام الإنساني.
وتؤكد مبادرة "التواصل مع المقيمين – انسجام عالمي" أن المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى التنوع الثقافي على أنه مجرد واقع اجتماعي، بل تعتبره قيمة استراتيجية ورافدًا أساسيًا لتماسك المجتمع وتقدمه. فالتنوع في المملكة اليوم لم يعد اختلافًا يُدار، بل ثراء يُحتفى به، إذ يتجلى في كل ميدان من ميادين الحياة -في بيئات العمل، وفي الملتقيات الثقافية، وفي الفنون، وفي تفاصيل التعايش اليومي بين المواطنين والمقيمين- ليشكل لوحة إنسانية نابضة بالحياة تروي قصة وطنٍ يفتح قلبه للعالم، دون أن يتنازل عن ثوابته وهويته الأصيلة. لقد أصبحت المملكة من خلال هذه المبادرة نموذجًا عالميًا في إدارة التنوع والاندماج الإيجابي، حيث تتجسّد فيها القيم الإسلامية والإنسانية في أبهى صورها؛ التسامح، والكرم، والاحترام، وحب الخير للآخر. فهي تحتضن ملايين المقيمين من مختلف الجنسيات، لا كضيوف عابرين، بل كشركاء في التنمية وصنّاع لحكاية نجاح مشتركة. ومن خلال الفنون، والتعليم، والعمل، والمبادرات الاجتماعية، تتكامل الجهود لبناء مجتمعٍ متماسكٍ متنوعٍ قادرٍ على الإسهام في تشكيل ملامح المستقبل بعقل منفتح وروح مسؤولة.
إن "الانسجام العالمي" ليس مجرد شعار، بل رؤية إنسانية متكاملة تعبّر عن وجه المملكة الجديد في زمن الانفتاح والتطور، حيث تتلاقى القيم المحلية مع الطموحات العالمية لتصوغ معًا هوية وطن يتسع للجميع. فكل مبادرة، وكل قصة نجاح، وكل تفاعل إنساني داخل هذا الوطن الكبير، تشكّل لبنة في بناء مجتمع عالمي يتحدث بلغة الاحترام والتعايش، ويؤمن أن الاختلاف ليس عائقًا بل جسرًا نحو التفاهم والتكامل. وهكذا، تُقدم المملكة من خلال هذه المبادرة رسالة سلام وانفتاح حضاري إلى العالم، تؤكد فيها أن القوة لا تُقاس بالحدود الجغرافية، بل بقدرة الشعوب على احتواء التنوع وتحويله إلى طاقة إيجابية تدفع نحو التنمية والوحدة الإنسانية. فالسعودية الجديدة ترسم اليوم ملامح مستقبلٍ أكثر إشراقًا، يُكتب بأنامل أبنائها ومقيميها معًا، في مشهدٍ يجمع العالم على أرض واحدة، تحت راية واحدة، وهدفٍ واحد هو الإنسان أولاً.
وبين سطور هذه المبادرة تتجلّى ملامح وطنٍ يؤمن بأن التنوع ليس مجرد وجودٍ مختلف، بل تفاعلٌ خلاق يصنع القوة. فالمملكة اليوم، وهي تخطو بثقة نحو رؤيتها الطموحة 2030، لا تبني اقتصادًا فحسب، بل تشيّد مجتمعًا عالميّ الهوى، إنسانيّ الجوهر، يرتكز على مبادئ العدالة والمساواة والاحترام المتبادل. في هذا الوطن، تتحول قيم التواصل إلى ممارسة يومية، ويتحوّل التعايش إلى سلوكٍ راسخٍ في الوعي الجمعي للمواطن والمقيم معًا.
وتنعكس هذه الرؤية في تفاصيل الحياة اليومية؛ في المدارس التي تجمع أبناء عشرات الجنسيات تحت سقفٍ واحدٍ يتعلمون لغة الحب قبل الحروف، وفي المؤسسات التي توحّد الجهود رغم اختلاف اللهجات والأصول، وفي المهرجانات والأسواق والفنون التي تذيب الفوارق وتزرع الإعجاب المتبادل بين الثقافات. هكذا تصوغ المملكة هويتها الجديدة: وطن عالمي بروح سعودية أصيلة، يحتفي بالاختلاف، ويرى فيه مرآةً لتطوره ومرجعًا لتسامحه.
إن ما تصنعه مبادرة "انسجام عالمي" هو أكثر من تعزيزٍ للتواصل؛ إنها تؤسس لثقافة دائمة من الاحترام والقبول، تُمهّد لمستقبلٍ يرى في كل مقيم سفيرًا، وفي كل مواطن راعيًا لرسالة التعايش، وفي كل تفاعلٍ إنساني بذرةً تنبت سلامًا ووئامًا. إنها مبادرة تفتح نافذة على العالم وتقول بثقة: "في السعودية، نلتقي لنُبدع، ونختلف لنتكامل، ونتنوّع لننتمي أكثر".
وفي الختام، يبقى جوهر الرسالة واضحًا وعميقًا: أن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وأن الانسجام هو اللغة التي يفهمها الجميع. فهنا، على أرض المملكة، تتلاقى الحضارات لا لتتنافس، بل لتتعاون، وتذوب الحدود بين الثقافات في لوحةٍ واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.