قدم النقاد، الأكاديميون الدكتور معجب الزهراني، والدكتور سعيد السريحي، والدكتور محمد الصفراتي شهادات مهمة سلطوا فيها الضوء على تجربة غازي القصيبي شخصية مهرجان كتارا في دورته الحالية، وذلك في اليوم الثاني من أيام المهرجان أمس الثلاثاء المقام في الدوحة، في ندوة أدارها الدكتور محمد بودي وحملت عنوان "غازي القصيبي.. الشخصية والتجربة الإبداعية". وخلط المتحدثون في الندوة بين تجاربهم الشخصية مع القصيبي وبين تحليلهم لأعماله وأهميتها وعمق تأثيره في التجربة الإبداعية السعودية. وشدد الدكتور الزهراني على الجرأة التي تمتع بها القصيبي، والتي تجلت منذ روايته الأولى "شقة الحرية" مؤكدا أنه كتب ثلاث مقالات مطولة حول ثيمة الحرية، وعن هذه الرواية المكتوبة بجرأة، ثم صدرت بعدها روايته "العصفورية" التي وصفها الزهراني بأنها "لا تقل جرأة عن سابقتها، وهي رواية ساخرة"، مركزا على أن الإبداع الجمالي لا بد أن يتمتع بالجرأة، مشيرا إلى أنه "كأنما حصل للقصيبي طفرة سردية فأصدر مجموعة من الروايات" رجل لديه قضية بيّن الزهراني أنه "بالنظر إلى أن القصيبي تبوأ عددا من المناصب الرسمية الرفيعة، فإنه كتابته حين تأتي بهذه الجرأة تؤكد أنه رجل لديه قضية، ولديه وعي نقدي"، مشيرا إلى أنه حين عيّن في جامعة اليمامة سأل عما إن كان هناك كرسي باسم القصيبي، وحين لم يجد، دشن كرسيا باسمه حيث جُمع للكرسي وخلال أسبوع واحد من إطلاقه 6 ملايين ريال"، معرجا على أن القصيبي لم يستلم مرتبه من وظيفته طيلة 30 عاما، بل كان يحوله إلى جمعية للمعاقين، وكان ضد الفساد، وضد الرؤية القبلية، وكان إلى جانب الشباب والمرأة، وهو رجل نجح في مجموعة من المواقع التي تبوأها حتى تحول إلى رمز. وأضاف أن القصيبي يؤسس لتيار يغري كثيرين بتقليده، وقال "كثيرون يكتبون روايات، لكن ليس كل نموذج ناجح يتحول إلى رمز". وتابع "هناك عاملان أساسيان لدى القصيبي، وعي عميق ومتسع إنسانيا، وأنه صاحب قضية ومتفاعل جدا مع الإنسان داخله، ومع الإنسان خارجه، وبدا في كتاباته السردية والشعرية مهموم بهموم الإنسان البسيط، والمفارقة الجميلة فيه أنه وهو ابن طبقة غنية كان منحازا للإنسان البسيط". الرواية باعتبارها قناعا من جانبه، قدم الدكتور السريحي ورقة خلال الندوة حملت عنوان "الرواية عند القصيبي باعتبارها قناعا"، وقال "نظلم القصيبي لو نظرنا إليه باعتباره روائيا وحسب، ونظلمه لو عددناه شاعرا وحسب.. الأمر كذلك باعتباره وزيرا وأكاديميا.. إنه هذا وذاك وذلك.. الرجل يكاد يشبه مؤسسة ثقافية بحد ذاته، إنه جمعٌ في سيرة فرد، وهذا هو السر الذي أحاط به في حياته، وكذلك بعد رحيله". وأضاف "تلك الهالة تضفي على جوانب الصورة وعناصرها، وفي كل عمل من أعماله تفيض الصورة لتتجاوز بأعماله قيمتها، وصعوبة عمل الناقد تكمن في تحرير أعمال القصيبي من القصيبي". وتابع "حين انكشف الشعر اتجه القصيبي للرواية. الشعر كان معركته الأولى، وللمصادفة كتب الشعر أولا بعنوان "معركة بلا راية" والشعر كان خط التماس المباشر بينه في شخصه وبين الجهات التي يطالها في شعره، لكنه مال إلى الضرب بحكمة حين وجد في السرد فرصة للمواربة بحيث لا يُدان بما يقول، وقد أضاف له السرد حضورا لدى فئات كثيرة في المجتمع لم يكن له حضور فيها حيث وسعت الرواية دائرة قرائه والمهتمين به، وقد اتخذ من الرواية خندقا وقناعا، ونجح أن يوزع جسده أو جسمه في جسوم كثيرة تعرب عما يريد أن يعرب عنه من القول". وختم "في كتابته للرواية لجأ إلى السخرية كأنما يمعن في إغاظة ذاك الشعر الجاد الذي ورطه في أكثر من موقف. وكانت سخرية القصيبي مضمخة بالوجع، ممهدة للتغيير وفضح الواقع العربي، وقد كان متعددا في الكتابة الروائية". الشعروائية عند القصيبي بدوره قدم الدكتور الصفراتي ورقة عنوانها العريض "الشعروائية عند القصيبي"، شدد فيها على أن القصيبي شخصية مترامية الأطراف، وقال "كأنما كان القصيبي يريد إيقاعنا في الفخ ومأزق الأسئلة. لقد كتب شعرا كأنه رواية، مثلما فعل في "سحيم"، ورواية كأنها شعر مثلما فعل في "سبعة"". وركز الصفراتي على التواريخ وقال "في عام 1994 كتب القصيبي أول رواياته "شقة الحرية"، وبعدها بعام كتب قصيدة في ديوان "سحيم" كانت الأولى شعريا له بعد "شقة الحرية" وكانت ديوانا من 92 صفحة". وتابع "ديوان سحيم يبدو وكأنه رواية، وكان هذا الديوان أطول حتى من بعض روايات القصيبي. كأنما الشاعر غار من الروائي الذي انتشر لذا كان "سحيم" شعر روائي، أو رواية شعرية". وتساءل خاتما "ما الذي جعل رواية "سبعة" تدعى رواية في حين أنها لم تجنّس على أنها "رواية"، ولما "سحيم" سمي شعرا، وهل كان ذلك فقط لأنه موزون؟" تاركا الإجابات لمن يتلقون نتاج القصيبي الشعري والروائي.