في خضم الخطاب السياسي والإعلامي الراهن وبين أروقة المؤتمرات الدولية التي تُعقد تحت لافتة السلام في «الشرق الأوسط» يتكرر مصطلح «قضية الشرق الأوسط» حتى كاد أن يُطمس الاسم الأصيل للقضية المركزية في المنطقة «القضية الفلسطينية» هذا التبديل في المصطلحات لم يكن عابرًا بل يعكس توجهًا مقصودًا لتذويب جوهر الصراع وتحويله من قضية شعب يواجه الاحتلال والإبادة إلى مجرد ملف إقليمي ضمن أجندات السياسة الدولية. هكذا يُعاد تدوير اللغة لتكون ستارًا يُخفي وراءه مأساة إنسانية تتجاوز كل ما يمكن تبريره سياسيًا. فالقضية الفلسطينية ليست بندًا في قائمة قضايا الشرق الأوسط بل هي القضية المركزية التي فجّرت التوترات وأعادت تشكيل خرائط السياسة منذ منتصف القرن العشرين ومع ذلك فإن تعميمها تحت هذا المسمى الفضفاض يوحي بوجود توازن بين أطراف الصراع وكأننا أمام خلاف دبلوماسي لا أمام احتلال استيطاني يمارس التطهير العرقي على مرأى العالم. لقد بدأ هذا الانزياح اللغوي منذ أواخر الأربعينيات بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني واندلاع الصراع العربي الإسرائيلي حين تبنّى الإعلام الغربي مصطلح الشرق الأوسط لتوصيف الصراعات في المنطقة ضمن إطار أوسع يشمل النفط والأمن والتحالفات ومع مرور الزمن تماهى معه الإعلام العربي حتى صار يكرر المصطلح دون وعي بخطورته فغابت «فلسطين» من الذاكرة الخطابية وإن بقيت في الوجدان الشعبي. هذا التعميم اللغوي يخدم الاحتلال وحده لأنه يُبعد الاتهام المباشر ويحوّل المجرم إلى طرف في نزاع إقليمي ويُفرغ القضية من بعدها الإنساني والحقوقي فحين تُستبدل عبارة وقف العدوان على غزة بعبارة استعادة الهدوء في الشرق الأوسط تُمحى الحقيقة الكبرى أن هناك شعبًا يُقتل ووطنًا يُسلب وعدالةً تُؤجل. اللغة ليست تفصيلًا هامشيًا في معركة الوعي بل هي سلاح ومن يملك حق التسمية يملك حق صياغة الرواية لذا فإن الإصرار على استخدام مصطلح «القضية الفلسطينية» ليس مجرد تصحيح لغوي بل موقف أخلاقي وسياسي يُعيد للحق الفلسطيني مكانته الطبيعية في الخطاب العربي والعالمي ويمنع تذويبه في مفردات السياسة الملتبسة. لقد آن للإعلام العربي أن يتحرر من المصطلحات المستوردة وأن يسمي الأشياء بأسمائها لأن الكلمات تصنع الوعي، والوعي يصنع الموقف، والموقف يصنع التاريخ. فالقضية الفلسطينية ليست قضية من قضايا الشرق الأوسط بل هي قلب الشرق ذاته ومفتاح استقراره وبوصلة ضميره ومتى ما استعاد الخطاب العربي وعيه اللغوي استعاد الفلسطينيون سندهم المعنوي واستعادت الأمة قدرتها على تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية الاحتلال احتلال والمقاومة حق والعدالة لا تختزل في سلام زائف.