انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي أخيرًا خبر متداول على لسان أحد المختصين بالسياحة والسفر ممن يحملون حرف «الدال»، حيث تحدث في إحدى القنوات الفضائية عن بائع شاي في منطقة سياحية يصل دخله اليومي إلى ألف ريال، بل وأكد أن هذا الدخل يغنيه عن أي وظيفة أخرى. هذا الطرح، على الرغم مما فيه من محاولة لإبراز قوة السياحة الداخلية، أثار جدلًا واسعًا، وطرح تساؤلات عدة حول طريقة تقديمه للرأي العام. لا شك أن السياحة أصبحت مصدر دخل مهما للأنشطة الصغيرة، فالإقبال الكبير على المناطق السياحية، خاصة في المواسم، يخلق حركة اقتصادية نشطة، تشمل الفنادق والمطاعم والمقاهي، وحتى أبسط الخدمات على الطرقات. ومن الطبيعي أن يحقق بعض الباعة أرباحًا جيدة خلال فترات الذروة، وهو ما يعكس بصورة واقعية أثر السياحة على المجتمع المحلي. كما أن المختص دعم حديثه بأرقام عن حجم إنفاق السياح في المنطقة، لكن الإشكال ظهر في المثال الذي استخدمه لإيصال الفكرة، إذ بدا غير منطقي إذا عُمّم على أنه قاعدة عامة. النشاط السياحي بطبيعته موسمي، والدخل الذي قد يحققه بائع الشاي في الصيف أو خلال المهرجانات لا يمكن أن يستمر بالمعدل نفسه في بقية العام. تصوير هذه الحالة على أنها بديل عن الوظائف يختزل الحقيقة، ويغفل عن التحديات الفعلية التي تواجه العاملين في هذه المهن، مثل التكاليف اليومية، وقلة الطلب خارج الموسم، وغياب الضمانات الاجتماعية. الأرقام المطروحة نفسها تثير علامات استفهام عند تحليلها. فإذا كان الحديث عن ألف ريال يوميًا، فهذا يعني بيع ما يقارب 333 كوب شاي بسعر 3 ريالات للكوب الواحد. ولو افترضنا أن ساعات عمله عشر ساعات، فهذا يقتضي بيع نحو 33 كوبًا في الساعة، أي بمعدل كوب واحد تقريبًا كل دقيقتين. هذا المستوى من المبيعات قد يتحقق في أوقات الذروة القصوى، لكنه صعب التحقق على مدى الموسم بأكمله. وهنا يظهر التناقض: البيانات التي طُرحت عن إنفاق السياحة دقيقة ومقنعة، لكن المثال الفردي الخاص ببائع الشاي أضعف الرسالة، وجعلها تبدو مبالغًا فيها. الأولى عند الحديث عن أثر السياحة أن يُكتفى بالأرقام الكلية التي توضح حجم الإنفاق وفرص العمل التي وُلدت نتيجة نمو القطاع، فهي تعكس صورة واقعية وملموسة أكثر بكثير من مثال فردي قد يثير اللبس، فالمجتمع يحتاج إلى وعي مبني على دراسات شاملة، لا على قصص جزئية قابلة للتشكيك. ختامًا، فإن التركيز على بائع الشاي كأنموذج دائم للدخل المرتفع لا يخدم الهدف المطلوب، فمثل هذه الأمثلة تظل حالات محدودة، ولا تصلح لقياس واقع قطاع كامل، ولا تصلح لأن تُقدّم للشباب على أنها بدائل عملية عن الوظائف. مثال بائع الشاي قد يثير الانتباه في الشاشة، لكنه ليس الصورة الحقيقية التي تعكس استدامة السياحة أو فرصها الفعلية. وعليه، فإن النقاش حول قوة السياحة أجدى له أن ينطلق من معطيات شاملة، لا من كوب شاي يُباع كل دقيقتين.