تحدثنا في المقال السابق عن ثلاثة عوامل أسهمت في بلورة القول «بحرمة الاستعانة بالقوات الأجنبية» في عقول الصحويين، وذكرنا أن أول هذه العوامل هو دور محمد أحمد الراشد، أما العاملان الآخران فهما دور محمد سرور ومجلته «السنة»، وإدارة صحويي الداخل من قبل التنظيم الدولي للجماعة، فللحديث عنهما موضع آخر غير هذه المقالات. وفي التالي من المقال وما بعده سنكتشف أن الجماعة الإرهابية وذيولها في الخليج، كانوا ينفذون ما يمليه عليهم صدام وقتها، وهنا أعود مرة ثانية إلى التوصيف المهم في بيان وزارة الداخلية السعودية، الذي جاء تحت عنوان: «إيقاف 110 في المملكة بسبب أعمال تخريبية»، إذ أوضح أن هناك «تعاونًا مع جهات خارجية جرى من قبل رؤوس الموقوفين»، وهو الأمر الذي نبز وقتها بأنه من التهم المعلبة والجاهزة، وسيكون من الضروري التعريج على موقف الجماعة الإرهابية من الأزمة، ودورها في تنفيذ مخطط نظام صدام حسين، والجملة الأخيرة أقولها بفم ملآن. وباستعراض المسلسل الزمني للبدايات الأولى للأحداث المتعلقة بمسألة معارضة تدخل القوات الأجنبية، نجد أن بداية الاجتياح كان يوم الخميس 2 أغسطس 1990، وكان رد فعل الجماعة الإرهابية في اليوم ذاته هو الاستنكار اللطيف لهذا الجرم الشنيع، إذ صدر عن المرشد العام بيانًا قال فيه: «نهيب بقادة العراق أن يعيدوا النظر في ما أقدموا عليه»، وفي اليوم التالي (الجمعة 3 أغسطس): بدأ الحديث عن استخدام القوة بحسب وكالة «رويترز» التي ذكرت أن الولاياتالمتحدة تحدثت عن استخدام القوة في ما لو هاجمت العراق بلدانًا أخرى في الخليج، وفي اليوم ذاته وفي أول خطبة جمعة بعد الاجتياح، يُذكر أن خالد المذكور رئيس جمعية الإصلاح الكويتية (حاليًا)، خطب خطبتي الجمعة الأقصر في تاريخ الكويت والخليج، حيث قال: «رزقنا ففسقنا، وظَلمنا فظُلمنا، ثم أقام الصلاة»، وأذكرها هنا لمعرفة الذهنية والنفسية التي استقبل بها إخوان الكويت الغزو، وفي (الإثنين 6 أغسطس): عقد مجلس الأمن جلسة، أقر فيها عقوبات اقتصادية شاملة على العراق بقراره «661»، وفي (الثلاثاء 7 أغسطس): أُعلنت جمهورية الكويت، وبعد أن حشد صدام قواته على الحدود السعودية؛ أرسلت أمريكا قواتها إلى السعودية بطلب من الرياض للمشاركة مع القوات السعودية في حماية الحدود، وفي (الأربعاء 8 أغسطس): ضُمت الكويت إلى العراق في وحدة اندماجية، وفي (9 أغسطس): الملك فهد بن عبدالعزيز- طيب الله ثراه- يعلن عن (القوات المشتركة) التي جاءت لتساند القوات السعودية في أداء واجبها الدفاعي، وفي (10 أغسطس): عقدت الجامعة العربية قمة طارئة في القاهرة لمناقشة الوضع المستجد، وتباينت مواقف الدول العربية من التدخل العسكري الأجنبي لإخراج العراق من الكويت، فأيدته 12 دولة، ورفضته 8 دول عرفت لاحقًا بدول الضد، وفي ذات اليوم (10 أغسطس) نشر عدد «مجلة العين» السرية التي يشرف عليها محمد أحمد الراشد وانتشر بشكل كبير، وفي (11 أغسطس): صدر بيان هيئة كبار العلماء في تأييد ما اتخذه ولي الأمر من استقدام قوات مؤهلة لرد العدوان على البلاد، وفي ذات اليوم صدر بيان عن جماعة الإخوان المسلمين، ملخصه: «استنكار الجماعة للتدخل الأمريكي في الخليج، والمطالبة بانسحابها الفوري، وسماه البيان »تدخلًا مفروضًا، واحتلالًا لمنطقة النزاع»، وذكر البيان أن الجيش الأمريكي يضم أعدادًا من اليهود، ممن يحملون الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، ويعملون في الجيشين معًا، ورفض البيان إرسال أي قوات عربية، لأنها ستكون في وضع التابع للقوات الأمريكية وحليفاتها الأجنبية، وستكون لها مواضع الإبادة والتعرض للمهالك، وحذر البيان من أن القوات الأمريكية تستعد لغزو العراق، وتدمير مؤسساته وجيشه، وأن اشتراك القوات العربية في ذلك أمر مرفوض، ثم خُتم البيان بالتأكيد على احترام أصحاب السلطان لحقوق شعوبها، وأن الشعوب شريكة في الأمر ولا يجوز أن يبرم ما يمس حاضرها ومستقبلها في غيبة عنها، ولا يكون لها من حق إلا حق التصفيق لما يرضى عنه زعماؤها»، وفي اليوم الثامن عشر للأزمة (الأحد 19 أغسطس): كان أول رد فعل صحوي معارض للحكومة السعودية، إذ ألقى سفر الحوالي في جلسة «الأسئلة والأجوبة» حول درسه في شرح متن العقيدة الطحاوية، أول حديث عن الأزمة، وبعد هذه الجلسة بأسبوعين ألقى محاضرة حاشدة في الرياض، تحت عنوان «ففروا إلى الله»، وهي أصل الكتاب أو الرسالة «وعد كيسنجر» التي جاءت ردًا على بيان هيئة كبار العلماء المؤيد لجلب القوات الصديقة للمشاركة في تحرير الكويت. شريط «الأسئلة والأجوبة»، لم يأتنا بالعنوان المعتاد بل كان عنوانه: «فستذكرون ما أقول لكم»، وملخصه: أن الغرب بدأ يتكالب علينا ويأتي من كل جهة، وأن المعركة التي نعيشها هي معركة صليبية، وأن أمتنا في وقت الشدة لا تلجأ إلى الله، وإنما تلجأ إلى الكفار، كما أن أمريكا هي أعدى عدو للإسلام، وذكر أنه تنبأ بقدوم هذا الحشد الغربي دون معرفة التفاصيل، في محاضرتين سابقتين هما: «مستقبل العالم الإسلامي في ظل الوفاق الدولي»، ثم محاضرة «الحروب الصليبية»، وأن أمريكا منذ عام 1980 وهي تعد العدة وتدرب الجيش في صحراء نيفادا، وذكّر بتدريبات الإنزال في بنما قبل بضعة أشهر، وأن من أهدافها التمرين على الإنزال في الخليج، أي إن الأمر مبيت عندهم. وقال: إن المشكلة أننا نحارب الله، وهذا لا يمكن أن يستمر دون عقاب، وذكر أن المجلات والصحف الكويتية، عوقبت على فسادها وإلحادها وكفرها. ثم ذكر حلًا لمواجهة الموقف دون الذل للكافر الحربي: وهو مصالحة (صدام)، أو إعطائه المال، أو شيئًا من الأرض، بدلًا من التعلق بالغرب الكافر، وذكر أننا دفعنا لصدام المليارات ثم ارتدت أموالنا علينا. وقال إن بريطانيا العظمى وهي أكثر بطشًا وهيبة من أمريكا اليوم، كانت تخاف من الإخوان الوهابيين، فقط لأنهم مؤمنون. وأن الغرب تكالب على هذه المنطقة من أجل البترول، وضرب الصحوة الإسلامية، ثم قال: لا يجوز أن نسكت عن خطأ «من أجاز الاستعانة بالكافر، وذلك» لاستدلاله بأدلة غير صحيحة لا تؤدي إلى المطلوب، ففرق بين استئجار الكافر والاستعانة به في قتال المسلم، والنبي لم يستعن بالمشركين في أي معركة، وما جاء في بيان هيئة كبار العلماء: أن الأمر يرجع إلى الضرورة، فالضرورة لها أحكام ولها تفصيل، متى تكون؟ أو هل هي ضرورة؟ على كل، يمكن أن نعد بيان جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية الصادر في (11 أغسطس)، وما ورد في أسئلة وأجوبة الحوالي «فستذكرون ما أقول لكم»، آنف الذكر، ملخصين مما ورد في عدد (10 أغسطس 1990، من مجلة العين السرية)، الذي أعقبه عددان آخران في (1 أكتوبر 1990)، وفي (20 أكتوبر 1990)، ولها مزيد بيان في المقال القادم.