في زمنٍ تتزاحم فيه التحديات، وتُختبرمعادن الرجال، تبرز شخصيات قلّ أن تتكرر؛ تجمع بين الحزم والرؤية، وبين الأمانة والكفاءة. ومن هؤلاء الرجال، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، رجلٌ لا يعرف أنصاف الحلول، ولا يقبل التهاون في مسؤولياته، فكان ممن تجلّت فيهم مضامين ما جاء في القرآن الكريم: «إن خير من استأجرت القوي الأمين». نهل آل الشيخ من معين العلم على أيدي العلماء، وتشرّب روح القيادة والإدارة على مدى ثلاثة عشر عامًا ذهبية، خلف لواء ملك الحزم والعزم، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله– القائد المحنّك، الذي شكّل مدرسةً في فقه الدولة وحسن التدبير. وقد تفتّح وعيه القيادي في ظل رؤية ملهمة يقودها ولي العهد رئيس مجلس الوزراءصاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، –حفظه الله- فكان جزءًا من هذا التحوّل الوطني العميق، ومساهمًا فاعلًا في ترسيخ مبادئ الاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرّف. تولّى آل الشيخ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السابع عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1439ه، الموافق 2 يونيو 2018م، ليبدأ منذ ذلك الحين مسيرة إصلاح وتطوير عززت للوزارة دورها الريادي في خدمة الدعوة الإسلامية، وفق منهج وسطي معتدل، ورؤية مؤسسية تتناغم مع تطلعات القيادة الرشيدة. وقبل توليه الوزارة، تقلّد رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أحدث نقلة نوعية في أداء الهيئة ومسار عملها، فعمل على إعادة هيكلة الجهاز، موجهًا جهوده نحو تعزيز الدور التوعوي والتوجيهي، بدلًا من الاعتماد فقط على الإجراءات التنفيذية الميدانية. كما سعى إلى ضبط المخالفات الإدارية والمالية، مع تعزيز الرقابة الداخلية، ما أسهم في رفع كفاءة الهيئة وشفافيتها، وقلّل من الاحتكاك مع الجمهور، بحصر صلاحيات الضبط بما يتوافق مع التعليمات النظامية، وقد نقل الهيئة من أسلوب التشدد إلى نهجٍ أكثر اتزانًا واعتدالًا، ما عزّز من فاعليتها ومكانتها في المجتمع. ولم يغفل عن أهمية رفع كفاءة العاملين، فحرص على تدريب الأعضاء، ورفع وعيهم الشرعي والنظامي، مع مراجعة مستمرة لآليات العمل لتكون أكثر مهنية وحضارية، وكانت تلك الإصلاحات المتدرجة أساسًا متينًا لما حققه لاحقًا في وزارة الشؤون الإسلامية. في شخصيته توازن فريد بين الحزم في القرار، والرقة في التعامل، وبين الوضوح في الرؤية، والمرونة في الأسلوب، حديثه ميزان، وكلامه إذا نطق أبلغ من خُطب تُروى، وإذا زار موقعًا ميدانيًا أطلق فيه روح العمل والتجديد، وإذا قرّر مضى بثبات لا يعرف التردد. منذ توليه الوزارة، أطلق مشروعًا إصلاحيًا عميقًا؛ أعاد للمنابر هيبتها، وللدعوة وقارها، وللوزارة دورها الوطني والديني الحقيقي.. جفّف منابع التطرّف، وضيّق الخناق على من تسلّقوا العمل الدعوي لأهداف حزبية أو أيديولوجية، وفتح أبواب الوزارة للعمل المؤسسي الشفاف المبني على الكفاءة لا الولاء، والمهنية لا المجاملة. لم تكن مهمته سهلة؛ فقد ورث تركة ثقيلة، لكنه واجهها بشجاعة، بعقل رجل دولة، لا موظف تسيير إداري، حوّل الوزارة من واجهة شكلية إلى مؤسسة فاعلة، تخدم الإسلام الوسطي، وتساند توجهات الدولة في مكافحة خطاب الكراهية والانقسام، وتُعلي من قيمة الانتماء والولاء لقيادة هذه البلاد المباركة. و امتد أثر عمله الإسلامي إلى خارج حدود المملكة، حيث شهدت الوزارة في عهده نقلةً نوعية في الحضور الدولي وتنظيم الفعاليات الدعوية والمسابقات القرآنية، وعقد المؤتمرات والندوات التي تعزز الخطاب الإسلامي الوسطي المعتدل. فاتسعت رقعة العمل الإسلامي المنظم، وانتقل النشاط من عدد محدود من الدول إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، ناشرًا منهج الإسلام الوسطي عبر مبادرات إنسانية ودعوية شملت توزيع الملايين من المصاحف، وبرامج الإفطار، وتوزيع التمور، وتنظيم آلاف المناشط، والعشرات من المسابقات الكبرى التي لاقت اهتمامًا واسعًا في مختلف القارات. وأضحت الوزارة، بما تقدمه من عمل مؤسسي راقٍ، محلّ إشادة محلية ودولية، وموضع تقدير لوسائل الإعلام العالمية التي سلطت الضوء على جهودها دون حملات دعائية أو إعلامية، بل كان أثر العمل وجودته هو الناطق الحقيقي باسمها. كما تركت المبادرات الإنسانية التي نفّذتها الوزارة –ولا سيما في رمضان– أثرًا بالغًا في نفوس المسلمين حول العالم، حيث امتلأت القلوب بمحبة المملكة وقيادتها، ولسان حال المستفيدين يلهج بالدعاء والثناء على هذه البلاد المباركة. وقد نال الوزير عددًا من الأوسمة والدروع التقديرية من قيادات دينية وثقافية عالمية، عرفانًا بدوره في ترسيخ القيم الإسلامية السمحة، وتعزيز التعايش، ونشر ثقافة التسامح، وتقديم صورة مشرقة عن الإسلام الوسط المعتدل. الوزير لم يتخذ الأضواء سبيلاً، ولم يسعَ إلى الشهرة، بل آثر الميدان على المنبر، والعمل على التصريح.. سياسته واضحة: لا مجال للتسيّب، ولا مكان للعاطفة في مواقع المسؤولية، ولا أحد فوق النظام. فما أجمله من نموذجٍ قيادي نادر؛ جمع الحنكة مع البصيرة، والصرامة مع الحكمة، والتواضع مع الاحترام، حتى أصبحت الوزارة على يديه أنموذجًا في الإصلاح والانضباط، ومنبرًا للدعوة النقية الصادقة، لا يعلو فيه صوت إلا صوت الحق. وله إلى جانب عمله الإداري والدعوي، إسهامات علمية معتبرة، تمثلت في تأليف عدد من الكتب والأبحاث، ومشاركته في مناقشة عدد من الرسائل العلمية، مما يعكس عمق تكوينه الشرعي والأكاديمي، وحضوره الفاعل في ميادين الفكر والمعرفة. وإن كان للوزير هذا العطاء، فإن الفضل -بعد الله- يعود إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله، الذي غرس في رجاله حب الوطن وخدمة الدين، وعلّمهم أن القيادة مسؤولية وأمانة، لا وجاهةً ولا منصبًا؛ فصاروا مرآة ناصعة لمدرسته العريقة في الحكم الراشد. كما تتّسق معالم التميّز في شخصية الوزير مع حرصه الدائم على تحقيق رؤى قائد الرؤية وملهم التغيير، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، الذي أحدث تحوّلًا تاريخيًا في بنية الدولة؛ فكان حزمُه قدوة، وطموحه إلهامًا، وسياسته دعمًا لكل مسؤولٍ مخلصٍ في أداء واجبه. فشكرًا لقيادةٍ آمنت بالكفاءة، ورعت المخلصين، ومكّنت من يستحق، ودفعت عجلة التنمية بالوطن بسواعد رجالٍ أوفياء نحو المجد والازدهار.. حتى غدا هذا الوطن مصدر إلهامٍ للأجيال القادمة.