يستعيد الروائي السوداني عماد البليك في روايته «البحث عن مصطفى سعيد» الصادرة عن منشورات إبييدي في مصر، شخصية بطل الرواية الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، وذلك ليس في إطار إعادة كتابتها، بل فيما يمكن القول إنه حوار نقدي معها، تتقاطع وتختلف، تتأمل وتتحدى، في محاولة لبناء نص جديد يعكس وعي الجيل الحالي وتحولاته. «البحث عن مصطفى سعيد» تعمل على تفكيك صورة المثقف العربي في مرحلة ما بعد الثورة، وتوثق الألم السوداني الحديث من خلال تجربة شخصية، متخيلة وممكنة في آن، حيث تحضر شخصية مصطفى سعيد من خلال عدسة سردية معاصرة تتناول أزمات الهوية والانتماء والتاريخ في السودان الراهن. تدور الرواية حول شخصية محمود سيد أحمد، مثقف سوداني يعود من الخليج إلى الخرطوم بعد الثورة، في محاولة لإيجاد معنى وسط واقع تتصارع فيه الأحلام والخراب، ومن ثم يلجأ إلى لندن مع قيام الحرب، حيث يبدأ رحلة وجودية للبحث عن أثر مصطفى سعيد، ليس بوصفه بطل رواية الطيب صالح فقط، بل كرمز لفرد يعيش تمزقات ما بعد الاستعمار وسؤال الهوية بين الشرق والغرب، بين المعرفة والخذلان. تمزج الرواية بين التأملات الفلسفية والسياقات السياسية والاجتماعية، وتعكس صراع المثقف السوداني المعاصر وسط وطن يعاني الانقسامات، ويشهد تحولات مؤلمة. وتطرح الرواية تساؤلات عميقة حول جدوى الكتابة والمقاومة والذاكرة في زمن تتكسر فيه الثوابت وتنهار فيه الأحلام. وكان البليك قد قدم عددا من الروايات المنفتحة على التاريخ والسياسة والوعي الذاتي، في سردية تتسم بالعمق والتأمل، وتخاطب الإنسان العربي والسوداني في آنٍ واحد، في زمن لم يعد فيه البحث عن الهوية ترفاً، بل ضرورة وجودية.