القفزة السريعة هي نتاج استثمارات تجاوزت 1.5 مليار دولار يجب وضع خطة وطنية لقياس الأثر الاجتماعي والثقافي للدوري منذ أن أعلن النصر عن ضم كريستيانو رونالدو في ديسمبر 2022، دخلت كرة القدم السعودية مرحلة جديدة كليًا، مرحلة لم تعد الرياضة فيها مجرد منافسة على أرض الملعب، بل أصبحت جزءًا من مشروع وطني ضخم لإعادة صياغة صورة المملكة على الساحة العالمية، لم يعد الدوري السعودي دوريًا إقليميًا يقتصر على جماهير محلية أو عربية، بل تحوّل إلى واجهة للقوة الناعمة السعودية، أداة استراتيجية تضاهي الإعلام والدبلوماسية والثقافة في تأثيرها وفاعليتها. حين نتأمل الأرقام، ندرك أن ما يحدث ليس مجرد طفرة مؤقتة، بل بناء منظومة متكاملة؛ إذ ارتفعت نسبة التفاعل العالمي مع الدوري بأكثر من 60 % خلال عام واحد فقط، وبات يبث في أكثر من 180 دولة، فيما سجّلت العوائد الإعلانية الدولية نموًا تجاوز 200 % خلال موسم واحد. هذه القفزة السريعة لم تأتِ صدفة، بل هي نتاج استثمارات تجاوزت 1.5 مليار دولار خلال فترة قصيرة، واستراتيجية واضحة تهدف إلى جعل الدوري السعودي واحدًا من أكبر عشرة دوريات في العالم، ليس بالقوة المالية وحدها، بل من خلال الدمج بين القاعدة الجماهيرية الضخمة في الداخل والطموح العالمي في الخارج. القوة الحقيقية هنا ليست في رونالدو أو نيمار أو بنزيما وحدهم، بل في ما يمثّلونه من رمزية، وفي كيفية استثمار حضورهم لتأسيس بيئة احترافية، وإعادة صياغة البنية التحتية للرياضة السعودية، وربطها مباشرة بمشروع وطني ضخم مثل رؤية السعودية 2030. فحين تبني الدولة ملاعب جديدة بمعايير عالمية، وتطلق منصات بث رقمية بجودة تنافس كبرى الشبكات الأوروبية، وتسنّ لوائح مالية لضمان الاستدامة وتقليص التضخم، فإنها ترسل رسالة واضحة للعالم: لسنا هنا لنكون نسخة من الآخرين، بل لنؤسس نموذجًا خاصًا بنا، نموذجًا يجعل من الرياضة أداة تنموية، اقتصادية، واجتماعية في آن واحد. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في استقطاب النجوم ولا في بناء البنية التحتية فحسب، بل في صياغة معادلة تحقق التوازن بين الاحتراف العالمي وبين تطوير المواهب المحلية. فالدوري السعودي لا يمكن أن يظل معتمدًا على استيراد النجوم، بل يجب أن يكون مصنعًا لإنتاجهم، هنا تتجلى الاستراتيجية الذكية: وضع لوائح تفرض نسبة محددة للمواهب الشابة، وإطلاق أكاديميات مثل "مهد" التي تستقطب آلاف الأطفال، ودمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في عملية اكتشاف المواهب وصقلها. بهذا الشكل، يتحوّل الحلم من مجرد عرض ضخم يجذب انتباه العالم إلى مشروع مستدام يعيد صياغة مستقبل الرياضة السعودية لعقود قادمة. المسألة الأهم أن الدوري السعودي أصبح مكسبًا جيوسياسيًا، فهو لا يخاطب فقط جماهير الملاعب، بل يوجّه رسالة دولية بأن السعودية قادرة على تصدير ثقافة جديدة، واستقطاب العالم إلى داخلها، وتغيير الصورة النمطية التي ظلت عالقة لعقود، الاستثمار في الرياضة هنا يوازي الاستثمار في السياحة أو في التكنولوجيا، لأنه يفتح قنوات جديدة للتأثير الدولي، ويجعل المملكة في قلب الحراك العالمي لا على هامشه، هذه الأبعاد هي التي تجعل المشروع الرياضي السعودي مختلفًا عن تجارب سابقة في المنطقة، لأنه قائم على رؤية متكاملة وليست حملة مؤقتة. ومع ذلك، هناك دعوة ضرورية يجب أن تطرح اليوم: وضع خطة وطنية لقياس الأثر الاجتماعي والثقافي للدوري، بحيث لا يكون التركيز على العوائد الاقتصادية فقط، بل أيضًا على تعزيز الانتماء الوطني، بناء القدوات، وتحفيز الجيل الجديد على ممارسة الرياضة. هنا تكمن القيمة الاستراتيجية الحقيقية: أن يصبح الدوري السعودي مدرسة تصنع الإنسان قبل أن تصنع النجوم، وتغرس في الأجيال القادمة مفاهيم العمل الجماعي، الانفتاح، والقدرة على المنافسة. هذه الرؤية وحدها هي التي ستضمن أن الدوري ليس مجرد مشروع استعراضي، بل مشروع وطني يترك أثرًا طويل الأمد. إن الرسالة التي يجب أن تصل هنا أن الدوري السعودي لم يعد دوريًا لكرة القدم فقط، بل أصبح أداة قوة ناعمة تسهم في تحسين الصورة الذهنية للمملكة، وتضعها في قلب المشهد الرياضي العالمي، وتفتح أبوابًا جديدة للاستثمار والسياحة والابتكار، نحن أمام تجربة غير مسبوقة في العالم العربي، تجربة تُثبت أن الرياضة يمكن أن تكون سلاحًا ناعمًا أكثر تأثيرًا من أي خطاب سياسي أو حملة إعلامية. المستقبل هنا ليس مجرد بطولة تُلعب على أرض الملعب، بل هو معركة على العقول والقلوب، والدوري السعودي اليوم يقود هذه المعركة بكل ثقة. جماهير الدوري علامة بارزة بنزيما رونالدو نيمار ملاعب كأس العالم 2034 الرياض - د. خالد الحبشان