منذ أن وُلد الفن الروائي في آفاق الأدب الحديث، وهو يشقّ طريقه ليصبح الأكثر حضورًا وإقبالًا بين القرّاء على اختلاف أعمارهم وميولهم. فالرواية ليست مجرد صفحات مكتوبة، بل عوالم متكاملة تفتح أبوابها على التاريخ والخيال والفلسفة والمجتمع، لتأخذ القارئ في رحلة تتجاوز حدود الزمان والمكان. ولعل هذا ما يفسّر انجذاب القرّاء إلى الرواية بشكل يفوق إقبالهم على غيرها من الفنون الأدبية؛ فهي تمنحهم مساحة للهروب من واقعهم أحيانًا، والعودة إليه بوعي أعمق أحيانًا أخرى. وفي كل الأحوال، يجد القارئ نفسه جزءًا من الحكاية، يضحك ويبكي ويحب ويخاف مع أبطالها، وكأنها مرآة لحياته الخاصة. أما دور النشر، فقد وجدت في الرواية فنًّا أدبيًا يجمع بين القيمة والمتعة، وبين الرواج الثقافي والتسويق التجاري. فهي العمل الذي يستهوي جمهورًا واسعًا، وتفتح له شهية القراءة، حتى لأولئك الذين لم يعتادوا الإمساك بالكتاب من قبل. لذلك نرى حرص الناشرين على البحث عن النصوص الروائية، وتشجيع كتّابها، لأن الرواية صارت بحق جواز مرور سريع إلى قلوب القرّاء ورفوف المكتبات. إن شغف الجمهور بالرواية اليوم يثبت أن الإنسان بطبعه كائن قصصي؛ يحب أن يسمع الحكاية ويعيش تفاصيلها. وفي زمن تتسارع فيه الأخبار وتختزل الحياة في عناوين عابرة، تظل الرواية فضاءً واسعًا يمنح القارئ فرصة التمهل، والتأمل، وإعادة اكتشاف ذاته من خلال الحكاية. وهنا تتجلى أهمية المبادرات الثقافية التي ترعى هذا الفن، ومن أبرزها نادي الرواية الأولى الذي قدّم للرواية حضنًا دافئًا ومساحة مضيئة للمبدعين الجدد. وقد كانت جهود رئيسته الأستاذة عهود القرشي جديرة بالتقدير، إذ قادت النادي برؤية وحماس، لتجعل منه منصة حقيقية تدعم الأصوات الروائية الأولى وتمنحها فرصة العبور إلى القارئ. ولا يفوتنا أن نشيد بجهود الزملاء كتّاب الرواية في مختلف مجالاتها، ممن حققوا نجاحات كبيرة وتركوا بصمة واضحة، فكوّنوا أسماءً لامعة في الساحة الأدبية العربية والعالمية، وكان لهم أثر عميق في ترسيخ مكانة الرواية كفنّ إنساني خالد. وهكذا، تبقى الرواية عرشًا متجدّدًا للفنون الأدبية، ويظل وراء تألقها عشّاق أوفياء، ومبادرات صادقة، وأقلام مبدعة تؤمن بأن الحكاية حياة مكتوبة بلغة السرد. سامي بن أحمد الجاسم