رحل عن الدنيا الشيخ ممدوح بن طلال بن غضبان بن رمال رحمه الله، الرجل الذي لم يكن مجرد اسم متصل بسلسلة من الآباء العظام، بل كان امتدادًا حيًّا لمجدهم، ومرآة صادقة لأخلاقهم، وحلقة مضيئة في إرثهم الممتد عبر الزمن. حمل ميراثهم في قلبه قبل أن يحمله في نسبه، وسار بخُلقٍ راسخ يليق برجلٍ يدرك معنى المسؤولية، ويعي قيمة الاسم الذي ينتسب إليه. لم يكن من أولئك الذين يصنعون حضورهم بالضجيج، بل ممن تصنعهم المواقف، وتعرّفهم الأفعال قبل الأقوال. يعمل في صمت، ويمنح بصدق، ويمضي في دروب الخير بثباتٍ وحياء كما هو شأن الكبار. من عرف الشيخ ممدوح، يعرف أنه كان رجلًا له حضور مهيب من غير صخب، وهيبة من غير تكلف، وكرم من غير إعلان. كان يمشي بين الناس بأخلاقٍ كريمة، يعامل الكبير بوقار، والصغير برحمة، والمحتاج بإنصاف. وإذا ذُكرت المروءة، ذُكر معها ممدوح بن طلال؛ لأنه كان من الذين ينصرون الملهوف، ويقفون مع المظلوم، ويقضون حاجة المحتاج وكأنهم يقضون حاجة أنفسهم. نشأ الشيخ ممدوح في بيتٍ عُرف بالعز والصفح والشهامة، فحمل من آبائه صفاتٍ صقلتها التجارب وأحكمتها الأيام. فكان طبيعيًا أن يرث عنهم روح القيادة الأصيلة، وأن يسير على خطاهم في البر، والصلات، وإكرام الضيف، وصيانة الجار، وإعلاء شأن الكلمة الصادقة والموقف الثابت. لم يكن يلتفت إلى ضجيج الحياة، بل كان يلتفت إلى مواضع الخير، فيُسهم فيها بما يستطيع، ويغادر بصمت دون أن يعلم كثيرون بما قدم. لم يكن الشيخ ممدوح رجل إحسانٍ فحسب، بل كان أيضًا رجل إصلاح وساعي خير؛ يعرف قيم الإصلاح ذات البين، ويسعى إليها دون كلل. كم أصلح بين المتخاصمين، وكم جمع القلوب بعد فرقة، وكم كان سببًا في حقن الدماء وردم الشقاق. وكان حاضرًا في قضايا العفو وعتق الرقاب، يتقدم الصفوف، ويشفع للنفوس، ويعين على إتمام الخير، مؤمنًا بأن الإصلاح شرفٌ كبير، وأن العفو باب من أبواب الأجر لا يرتقيه إلا أصحاب القلوب الرحيمة. كانت جهوده في هذا الباب أثرًا لا يُنسى، يخلده التاريخ وتذكره المجالس، وتشهد عليه وجوه أُطفئ حزنها، وبيوت عادت إليها الحياة بفضله بعد أن كادت تنكسر. برحيله، شعر المجتمع بأنه فقد أحد أعمدته الهادئة، ورجلًا كان حضوره يُشعر من حوله بالطمأنينة. فقدنا رجلًا لا تبحث سيرته عن الضوء، بل يصنعها. رجلًا يرى الخير واجبًا، والستر فضيلة، والوقوف مع الناس شرفًا، والبذل قيمة لا يمكن التنازل عنها. لقد ترك الشيخ ممدوح من الخير ما يعلمه الناس، وما لا يعلمه إلا الله؛ ترك أثرًا يمتد، وسيرة تُروى، وأبناءً يحملون أمانة اسمه كما حمل هو أمانة آبائه. رحيله ليس حدثًا عابرًا؛ فهو من تلك الشخصيات التي إذا غابت بقي أثرها شاهدًا على حضورها، وتبقى الذكريات معها حاضرة في كل موقف. سيظل اسمه يتردد في مجالس الرجال، وستظل أعماله تذكره ولو طال الزمن. رحم الله الفقيد، وجعل أثره شاهدًا لا ينطفئ، وسيرته نورًا لا يُمحى، وذكره باقيًا في القلوب ما بقي الليل والنهار. الشيخ ممدوح بن طلال رحمه الله