المرأةُ شطرُ المجتمع، واستضعافُها يعني شيئاً واحداً: شلُّ أحد شقّي المجتمع، ومعلوم أن الجسم إذا شُلّ نصفُه صار صاحبه منهكًا عاجزًا، وضعف عن أن يقوم بشيء من مهماته بدون استعانة بالآخرين، فكذلك المجتمع الذي يسمح باستضعاف المرأة، سيبقى ضعيفًا عاجزًا عن النهضة ومسايرة المجتمعات الأخرى.. لو تُرك بعضُ النّاس وسجاياهم لاستضعفوا من أمكنهم استضعافُه، ولا يثني عن ذلك إلّا وازع قويّ، من مراعاة لأوامر الله تعالى ونواهيه، وسلطة تحمي الناس بعضهم من بعض، وأخلاق كريمة تحجزُ صاحبها عن القبائح، وإذا لم تحكم هذه الأمور أو بعضها تصرفات الإنسان فمن المتوقّع ألّا يتوقّى ظلم الآخرين واستضعافهم، وقد صدق من قال: والظُلْمُ من شيَمِ النّفوسِ فإن تجِدْ ذا عِفّةٍ فلِعلّةٍ لا يَظْلِمُ ومن فضل الله تعالى علينا أنّ الاستضعاف محرّم محظور في ديننا الحنيف ومستهجن في قيمنا النّبيلة، ومحظور في أنظمة دولتنا المباركة المملكة العربيّة السعودية -أدام الله علينا ظلّها الميمون- والأنظمة التي تكافحه لم تزل في تطوُّر مستمرّ، وهذا يجعل الدواعي متوفرةً لتلاشيه بمرور الوقت، ما يجعل المواطن يعيشُ بكرامة وأمن وعزّة، لا يقضُّ الاستضعافُ مضجعه، وهناك فئات من المجتمع تكونُ عرضةً للاستضعاف، ولا يخلو من يمارسه من أن يُخضع له هذه الفئات؛ ولهذا جاءت النصوصُ الشرعية واللوائح النظاميةُ صريحةً في الدفاع عن حقوق تلك الفئات؛ ردعاً لمن تسوّلُ له نفسُه الاستقواء عليها، وذلك كالنساء، والصغار لا سيّما الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصّة، ولي مع الاستضعاف وقفات: الأولى: المرأةُ شطرُ المجتمع، واستضعافُها يعني شيئاً واحداً، وهو شلُّ أحد شقّي المجتمع، ومعلوم أن الجسم إذا شُلّ نصفُه صار صاحبه منهكاً عاجزاً، وضعف عن أن يقوم بشيء من مهماته بدون استعانة بالآخرين، فكذلك المجتمع الذي يسمح باستضعاف المرأة، سيبقى ضعيفاً عاجزاً عن النهضة ومسايرة المجتمعات الأخرى، فمن الحكمة الإلهية التّوأمةُ بين الجنسين الرجال والنساء لمواجهة تحديات الحياة حلوها ومُرّها، واقتسام الأدوار فيها، فما أُهبط أبوا البشريّة إلى الأرض لعمارتها إلّا وهما معًا، واقتسما مهمّة التأسيس للبشريّة، ولم يمكن بعد ذلك استغناءُ أحد الجنسين عن الآخر، ومع بداهة هذه المعادلة إلا أنّ الله تعالى ذكّر بها عباده تنبيهاً على أهمية هذه الشراكة وعمقها، فقال تعالى: (يا أيُّها النّاسُ اتّقُوا ربّكُمُ الّذي خلقكُم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهُما رجالاً كثيراً ونساءً)، واستهلّ بهذه الآية الكريمة سورة النّساء التي تحمل هذا الاسم؛ لما تضمّنته من الدفاع عن حقوق النساء، ورفع ما وقع عليهنّ من الظلم في الجاهليّة من منعهنّ الميراث، وكانوا يقولون: (لا يُعطى إلّا من قاتل على ظُهور الخيل، وحاز الغنيمة)، فهدم الشّرعُ هذه النظريّة الجائرة، وأنزل الله تعالى: (للرّجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربُون وللنّساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربُون ممّا قلّ منهُ أو كثُر نصيبًا مفرُوضًا)، ثمّ لم يُفوّض تعيين ذلك النصيب إلى أحد، بل بيّنه في محكم كتابه، وعلى لسان نبيّه عليه الصّلاةُ والسّلام، وكذلك ورد في هذه السورة الكثيرُ من الأحكام المتعلقة بإنصاف المرأة، وجاء فيها الأمرُ بحسن العشرة معهنّ صريحاً، وأحكام أخرى يتجسّدُ فيها حسنُ العشرة، فما من باب يُمكنُ أن يلج فيه من يستضعف المرأة إلا وقد سدّه الإسلامُ سدّاً محكماً. الثانية: الأبُ هو الركن الشديدُ الذي يُؤوى إليه، ومن فقده فقد خسر خسارةً عظيمةً، وتلك خسارة نجدُ أثرها وقد فقدناهم بعد أن صرنا رجالاً أشدّاء، فما بالكم بمن فقد ركن الأبوّة في طفولته، فمن الشهامة أن يُعطف على ما ابتُلي باليُتم، وأن يُراعى وضعُه، لكنّ بعض النفوس تميلُ إلى استضعافه؛ ولهذا جاء الشرعُ الحنيفُ بحمايته والحثّ على الإحسان إليه، بل ذكر الله تعالى من وجوه ذمّ الكفّار عدمُ إكرام اليتيم، ثم لمّا كان السائد في الجاهلية استضعافُ اليتيم بحرمانه من الميراث وأكل ماله جاء الإسلام بهدم ذلك، وجعل أكل مال اليتيم من أكبر الكبائر؛ ونبّه على أن ذلك من شأن من لا يؤمنُ بالآخرة تقبيحاً له وزجراً عنه، فقال: (أرأيت الّذي يُكذّبُ بالدّين. فذلك الّذي يدُعُّ اليتيم)، أي: يدفعهُ عن حقه من ماله ومن الإحسان إليه، فعلى وليّ أمر اليتيم من أمّ أو عمّ أو أخ أو وصيّ أن يعلم أنّه أمام كائن ضعيف بشخصه وحيلته، قويّ جدّاً بحماية الشرع والنظام له، فمن استقوى عليه استحقّ عقوبة الدارين. الثالثة: الإنسانُ قد يبتلى في بدنه بما كتب الله تعالى عليه، وليس هذا عيباً عليه، وما هو إلا جزء من هذا المجتمع، وما زاده الذي أصابه إلا حرمةً وخصوصيّةً، ومن المرفوض أن يُمارس عليه الاستضعافُ بأيّ شكل من الأشكال، وأسرتُه أولُ من يجب عليهم الامتناع عن استضعافه، فلا يسوغ لهم الزهد فيه ولا حرمانُه من الاهتمام المبذول لغيره، وبذل الكرامة للمواطن أيّاً كان -لا سيّما هذه الفئاتُ- من الأسُس الرّئيسة في رؤية سمو ولي العهد صاحب الأمير محمد بن سلمان أيّده الله، وقد تحقّق منها الكثير بفضل الله تعالى، ثم بجهود القيادة الكريمة، ومن الواجب علينا بمقتضى وجوب السمع والطاعة لوليّ الأمر الانسياق مع هذه الرؤية الميمونة في تفاصيلها عموماً وفي هذه النقطة خصوصاً؛ لما تشكّله من سموّ الأخلاق ونُبل المشاعر.