في مساء هادئ، وبينما كنت أتنقّل بين الكلمات والصور، وقعت عيني على عبارة توقفتُ عندها طويلاً: «رزقك سيتخطى الخلق كلهم، ويصل إليك»، ابتسمتُ كأنها تُخاطبني، لا لأنني أؤمن بها فقط.. بل لأنني كنت يومًا أحد شهودها. في وظيفة سابقة التحقت بها، وقعت حادثة لا زالت تسكن ذاكرتي بلطافة، كنت قد بدأت أيامي الأولى هناك، حين التقيت بأحد الأصدقاء صدفة؛ جلسنا نتبادل الأحاديث، ثم فاجأني بقوله: «تدري أن هذه الوظيفة كانت لي؟ كنت المرشّح الأول، حيث تم التواصل معي، وكل الأمور جاهزة، وكنت على وشك توقيع العرض، لكنني اعتذرتُ شخصيًا، لأسباب تتعلّق بارتباطي الوظيفي في تلك الفترة، وليس من جهة العمل». نظرت إليه بابتسامة، ليس فيها غرور، بل امتلاء.. وكأن الحياة أرادت أن تهمس لي: «ما كُتب لك.. لن يتجاوزه غيرك، حتى لو بدا كذلك في البداية». ثم مرّت الأيام، وتعرّفت إلى شخص آخر في المكان ذاته.. رجل لطيف، خلوق، وتشرفت أن يكون صديقًا.. كنا نتبادل أطراف الحديث، حتى أخبرني بقصة مشابهة: «أنا أيضًا كنت ضمن المرشحين، تواصلوا معي، وأرسلوا تفاصيل العرض، ودار بيني وبينهم تواصل جميل»، بل أراني المراسلات بينهم وبين إدارة الموارد البشرية.. كل شيء كان يمضي، ثم أردف بابتسامة: «لكني وقتها لم أكن متفرغًا، ولا في لحظة قرار واضحة.. ففاتتني الفرصة». تأملت القصة من جديد، وقلت لنفسي كم يدور الرزق بين الأيدي، ويمرّ على الأبواب، قبل أن يستقر حيث كُتب له؟!، ليس دائمًا لأننا نستحق أكثر من غيرنا، بل لأننا وافقنا اللحظة التي شاء الله فيها أن يكون هذا النصيب لنا، كل ما حدث جعلني أُدرك أمرًا لم أعد أُجادل فيه أن الرزق لا يُقاوِم قدره وإن تاه بين المرشحين فسينتهي بك.. وإن عبر من فوق الفرص فسينزل عندك.. وإن بدا أنه ليس لك.. سيتشكّل في طريقك بطريقة لا يتوقعها قلبك. واليوم، كلما سمعت أحدهم يقول: «ضاعت عليّ فرصة»، أردّ بهدوء: «الفرص لا تضيع، إنما تُرسل لتختبر القلوب؛ فإن كانت لك ستعود إليك، وإن مرّت على غيرك فما هي إلا رسائل بأن رزقك محفوظ، وإن تأخر».