اللهم أبعدْ عناَ الزلازل والمحن، عن بلادنا وبلاد المسلمين عامة..! اللهم عليك بالعلمانيين والليبراليين..اللهم فرقْ جمعهم وشتّتْ شملهم وحدّدْ نسلهم وأحرقْ زرعهم.. رغم أننا نلومهم لأنّ نسلهم لم ينقذوا الشعب السوري نيابة عنا، ولمْ يُشْبِعوا جوعى مخيمات مهجّريهم من زرعهم الوفير!! لا أدري أهُناك مشكلة عقديّة لو أنّ بعضا من خطبائنا المغرمين بلعن الخلق أضاف لعباراته الدعوة للبشرية جمعاء إذا كان لا يستطيع الكف عن حدة اللعن والشتم؟؟ هكذا نصرّ على أن نعيش الحياة بهدف إقصاء الآخرين، أو لِنَقُلْ: لهلاكهم، هذا ما يبدو لي من خطابنا الديني، وعلى المتلقي أن يردد: آآآمين وجمعتك إنسانية.. أصحاب هذا المستوى ليسوا بخطباء، فالخطيب عند العرب ليس بالحافظة الذي يردد محفوظات جوفاء بلا روح.. لقد كان لسان حال واقعه في الحدثِ أو في الوعظ أو حتى ضدهما.. إنهم أناس حفَظةٌ طيبون لا ذنب لهم لأنهم لا يفقهون ما يحفظونه! هم جاءوا نتيجةً لما غرسناه فيهم فحفظوه وأجادوا الحفظ ولم يتساءلوا أو يفقهوا أنّ لكل مقام مقالاً.. إنهم يشعرون بضرورة أدائهم وظيفةً نحنُ من أطّرَها لهم، ونحن من حدَّدَ لهم مفهوم الإسلام على أنه عاداتنا وقيمنا الاجتماعية المتوارثة وليس قانون حب ورحمة كونيا.. من أجل هذا فمن خالف هذه العادات لعنوه واستثمروا المنابر للدعوة عليه بدلا عن الدعوة له بالهداية.. أنت -عزيزي القارئ- لم تجرِّبْ أن يلعنكَ شيخ هو الآن أحد النجوم المتسابقين على الفضائيات لأنك وضعت على منزلك لاقطاً للبث الفضائي ذات يوم، ولم تجرّبْ من جرّمكَ لأنّ ثوبك يصل إلى القدمين لأنّك ترى اللياقة الجمالية في استكمال ثوبك، ولم تجرِّبْ من خطّأك لأنك تحب شِعر الغزل وتقرأ كتب الكفار، ولا من رشحك طاغوتا لأنك تؤمنُ بكل رأي وترى كل ما يمكنك، وتصلي منفرداً إذا لم يمكنك جماعة أو لم يعجبْكَ الإمام، ولا من اعتبركَ خارجاً لأنك عملت في بلدٍ إسلامي خارج هذا المكان! لا تبتئسْ وتحمّلْ أيها القارئ الكريم، فقد سمع خطباء القرى قبل عقود عن شعارات سياسية اسمها: قومية – تحررية – اشتراكية..إلخ، فانبروا يجلدون أبي وأباك الفلاحين في جبالهما وأوديتهما بلعن هذه المبادئ التي لم يسمعا عنها ولم يكنْ عليهما خوف من الشيوعية مع غنمهما.. دون أن يدركوا أن قضايا أهلنا آنذاك هي في كيفية الحرث والرعي وأساليب العيش والكدح وتربية الأبناء وصلة الرحم والعلائق الاجتماعية القروية.. عاش آباؤنا الرعاة المساكين وهم يؤمِّنون على لعن ماركس واليهود والنصارى دون أن يعرفوا من هم! كان على أبي أنْ يؤمِّنَ فقط، وليس له أن يفهم أو يسأل علامَ ولماذا اللعن وقد كنت أشعر بتأمينه ساخرا مما لا يعلمه! حتى اليوم وأنا لا أعلم جدوى الانفعال التمثيلي المسرحي لخطيب يلعن خلق الله على المنابر، في نفس الوقت الذي يذكر فيه أن النبي قال حين رجمه المشركون وكُسرتْ رباعيّته: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».. أنت يا سيدي القارئ لم تجربْ آخر ينفعل ثائراً هادراً أمام مُسْلِمِين مُقْسِما لهم ثلاثة أيمان بالله أن الله هو الخالق الرازق الموجود!! لا أدري لمَ لا يكون ذكر الله هدوءً وجمالاً بالحكمة والموعظة الحسنة لا هديرا وجعجعة على العباد وعلى خلق ربي؟ ولمَ لا يكون الدعاء للمسلمين مقرونا بالدعاء لغيرهم من مخلوقات الله بالهداية والتوفيق بدلا من السباب واللعن؟ تُرى: عندما يكون المُسلم في مسجد ما: أيهما أجدى وأكثر راحة له ورغبة وروحانية: الدعاء للبشرية ولكل خلق الله، أم لعن وسب فئات من خلقه؟ وما اللاّئق من الأمرين بمستوى مُجْمل الدّين؟ أم أن التَّلاعنَ موروثٌ سياسيّ قديم منذ كان يقرِّرهُ أحد الخلفاء فتسمع له الرعية من خطبائه وتطيع بلعن كل من عاداه حتى من المسلمين؟ ألمْ يزدِ المسلمون فقههم منذُ زمن تلاعن الأمويين والعباسيين على منابرهم حتّى الآن؟ قد يكون الأمر بقيّة من بقايا نظرة فئة سبق أن عرفتموها تسمّى (مدَيِّنَة) قبل عقود كانت تُعرِّفُ المسلمين على أنهم (هم) وفقط، ومن خالف عاداتهم وتقاليدهم فقد خرج عن الدين! وسلوا من عاصرهم واقرأوا كتبهم وتاريخهم! ولو كنتُ وزيراً للشؤون الإسلامية لأجريتُ بحثاً تجريبياً سرّياً لعدة أعوام أقرّرُ خلالها ما يلي: أن تكون الإمامة والخطابة عملا احتسابيا حسبةً لله دون مقابل مادي، بمعنى: إيقاف جميع مخصصات الصرف على الإمامة والخطابة لإتاحة الفرصة للقادرين الخيِّرين من محتسبي الأجر من الله وهم كثُر للقيام بهذه المهام، ففي اعتقادي أن زحمة لعن الخلق قد تقل، لأنه لن يحتسبَ سوى من ارتبط قلبه بالله حبا وروحانية لا غضبا على خلقه.. ولا ننس أن اللعن صار يشمل مسميات مفترضة لدينا أطلقوا عليهم الليبراليين والعلمانيين وغيرهما من فئات المسلمين، أي أنه يشمل المسلمين في الدول الإسلامية التي تؤمن بالعلمانية الإسلامية، ويشمل الليبرالي الذي يعطي المسلم حق العيش والاعتقاد كما يعطي غيره، دون أن يدرك بعضهم أن العلمانية أو الليبرالية أو الديموقراطية ليست عقَدِيّة بل مجرد أساليب إدارية تعطي الاعتقاد حرِّيَّة أكثر ولا تحجره على مفهوم واحد، فالخالق أوسع كثيرا من خلقه، لكنّ من خلقه من يتسلطُ على العقل بحَجْره.. لقد اعتدنا على لعن وإنكار كل جديد، حتى إذا تقادم وصار حتمياً قبلناه، وسوف يأتي اليوم الذي يكون فيه الخطيب فقيها من الواقع، لا مجرد حافظ يتلو ما حفَّظه غيرُه.. وحتى تعذرهم في شدة اللعن وإقصاء الآخر لك أن تتخيّل أن النصارى واليهود والبوذيين والهندوس وشعوب المايا ووثنيِّي إفريقيا وغيرهم يرون أيضا أنهم من اختارهم الله وخير أمم أخرجتْ للناس..