الموساد يكشف تفاصيل عملياته داخل العمق الإيراني    صفقات الهلال المليارية    "المنافذ الجمركية" تسجل 1084 حالة ضبط خلال أسبوع    احتفل دون إيذاء    دبلوماسية الطاولة العائلية    استغلال أوقات الفراغ في مراكز الأحياء    "ريف السعودية" يستعرض قصة نجاح مُلهمة لإنتاج عنبٍ محلي يفوق جودة المستورد بالطائف    مساعد يايسله يُحذر سالزبورغ من قوة الهلال    "يونيشارم" تُرسخ قيم الأسرة في الخليج باحتفالها الأول بيوم الأب برعاية "بيبي جوي"    فيغا بعد مغادرته الأهلي: لست نادمًا.. وتجربتي كان يُمكن أن تكون أفضل    "التخصصي" يستعرض ريادته في التقنية الحيوية بمؤتمر Bio الدولي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تباين    أمطار وزخات برد على جازان وعسير وتحذيرات من الغبار بالشرقية والرياض    كأس العالم للأندية: بايرن ميونخ يتأهل لدور ال 16 بفوزه على بوكا جونيورز    الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد    ختام مثير لمنافسات اليوم الثاني من بطولة حائل للدرفت لفئة شبه المحترفين    فلسطين ترحب برسالة تسع دول أوروبية بشأن تنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    رسمياً .. عمر السومة ينضم للوداد المغربي    بنفيكا يقسو على أوكلاند سيتي بسداسية في كأس العالم للأندية 2025    فلامنغو يتغلب على تشيلسي بثلاثية في مونديال كأس العالم للأندية    ترامب: مديرة المخابرات جابارد مخطئة بشأن برنامج إيران النووي    عون : لبنان سيبقى واحة للسلام وينبض بالحياة ولا أحد يريد الحرب    المنهاج التعليمية تتفاعل مع قصة الطفلة زارعة الكبد اليمنية ديانا عبدالله    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    أرامكو السعودية تدشن المركز الإقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية في جزيرة أبوعلي    ضبط مصريين و6 مواطنين في تبوك لترويجهم مواد مخدرة    جثمان الشاعر موسى محرق يصل اليوم والصلاة عليه غدًا    خطيب المسجد النبوي: التفكر في تعاقب الأيام سبيل للفلاح وميزان للربح والخسران    خطيب الحرم: محاسبة النفس دليل على كمال العقل وسبيل للفلاح    مدير تعليم جازان يكرم "افتراضيًا" الطلبة المتفوقين دراسيًا والمتميزين في الأنشطة المدرسية    أمير المنطقة الشرقية يؤدي صلاة الميت على والدة سعود العطيشان    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    تغير خطط سفر السعوديين أزمات العالم    الكونجرس : تحديث أسلحة أمريكا النووية الأكثر تكلفة في التاريخ    تجريد المساحة وإعادة تركيب الذاكرة البصرية    خدمة الحجيج.. ثقافة وطن وهوية شعب    مشاعر الحج    1200 كائن فطريّ في الطبيعة    عشرة آلاف خطوة تقي من السرطان    زرع مثانة في سابقة عالمية    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    أمير منطقة جازان يتفقد مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة جزر فرسان    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    وكيل وزارة الحج والعمرة يدشّن جائزة "إكرام للتميّز" لتحفيز مراكز الضيافة خلال موسم حج 1446ه    جامعة الملك فيصل ضمن" التصنيف العالمي"    " مركز الدرعية" يطلق برنامج تقنيات السرد البصري    الإطاحة بمروجي مادة الأفيون المخدر في تبوك    عريجة يزف نجله محمد    وزارة الصناعة تشارك في معرض باريس.. السعودية تستعرض فرص الاستثمار في صناعة الطيران    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    دعوات لتسريع تطبيق حل الدولتين.. إدانة دولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة    دول «التعاون»: اعتداءات تل أبيب «انتهاك صارخ».. روسيا تحذر أمريكا من دعم إسرائيل    2.7 مليار تمويلات زراعية    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    أمير الرياض يوجه بتسمية إحدى حدائق العاصمة باسم "عبدالله النعيم"    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الحريصي في منزله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تولوز هذه المرة...!
نشر في الرياض يوم 03 - 04 - 2012

جريمة تولوز تكشف بحقٍ عن صدام حضاري مقلق لا يلبث أن يتفاقم مع القادم من الأيام، ورغم أن المتطرفين من الطرفين قلة، إلا أن دور العقلاء في المجتمعات الإسلامية والغربية يتمثل في مواجهة التطرف وذلك بترسيخ التعايش والتسامح
محمد مراح اسم لشاب فرنسي من أصل جزائري لا يتجاوز عمره 23 ربيعاً نشأ في فرنسا واندمج في المجتمع بشكل ظاهري ثم تطرف دون أن ينتمي إلى خلية إرهابية إلا أنه تم تجنيده عن طريق الانترنت، وُطلب منه المجيء لأفغانستان وباكستان، وبالفعل زار أفغانستان مرتين، وخضع لتدريب في معسكرات القاعدة، رغم نفي أسرته، إلا أن التقارير الأمنية أشارت إلى تكليف القاعدة له بشن هجمات في فرنسا فاتجه لمدينتيْ تولوز، ومونتوبان ليقتل ثلاثة جنود وثلاثة أطفال ومدرسهم.
الملفت في الأمر أنه اعترف بارتكابه لجرائمه وأنه صورها، فضلا عن انتمائه للقاعدة، مؤكدا أن ما دفعه لذلك هو رفضه لقانون حظر ارتداء النقاب.
هذه قصة شاب مؤلمة ومحزنة ومأساوية، ومشهد سبق أن تكرر في بريطانيا وأسبانيا وهولندا وبلجيكا، وبصور أكثر بشاعة. غير أن الإرهاب هذه المرة وجد ضالّته في فرنسا، وبسيناريو سيتكرر لا محالة في دولة أخرى طالما أن هذا الفكر لا زال يتنفس ويتحرك ويتمدد دون مواجهة.
فهذا السلوك ما هو إلا تصرف مادي له مرجعية وأرضية فكرية ينطلق منها، وهي من تحدد طبيعة وأبعاد هذا السلوك، فنراه مجسداً وملموسا سواء أكان عنيفاً أم إنسانياً استناداً إلى مضامين ذلك الفكر أو تلك الأرضية.
على أن قتل الأبرياء هو مصطلح تُضيفه القاعدة إلى عائلتها اللغوية من خطف وقتل واحتجاز رهائن وترويع آمنين، فاستهداف الأبرياء ما هو إلا بصمة دامغة تُميز القائم بالسلوك عن غيره ممن يسلكون نهج العنف.
ولعل خطورة الايديولوجيا (الدينية الراديكالية) حين تحليلها معرفياً، تجد أنها تنطلق من أرضية (رفض الآخر) و(سلوك الرفض) مستندة إلى ذاتٍ انغلاقية، لا تحلم إلا بصورة الماضي المختزل في ذهنها، ولايمكن لها التكيّف أو التعايش مع ما حولها، بل تنزع إلى التقوقع والجمود، رغم أن واقع الحال من معطيات ومتغيرات يرى ضرورة التفاعل والاندماج والتداخل والتعايش في عالم بات إلى التلاقح هو أقرب.
ولعل من يفكك خطابها، يجد أنه يرتكز على مفاهيم الإدانة والإقصاء والإلغاء، ورغم أن هذه الفئة المُخترقة، لا تعبر عن السلوك السائد للمجتمعات التي تعيش فيها، إلا أنها تبقى جزءاً من تركيبتها الاجتماعية، ولذلك فتعاطفها مع تلك الأيديولوجيا يبقى له تأثير على استقرار النسيج المجتمعي، وإن ظل محدوداً ولكن خطورته تكمن في استمرارية نموه وتشعبه .
على أن ثقافة التطرف في بُنيتها ترتكز على أسباب نفسية واجتماعية وراء ظهورها، وقد ساهمت عدة عوامل في ترسيخها ونجاحها ، لاسيما أن البيئة الحاضنة لها عامل مؤثر في البقاء ما يجعل عملية اجتثاث جذورها مهمة صعبة ولا أقول مستحيلة.
ولذا تلحظ اختلافا واضحا بين الشخص المؤدلج وغير المؤدلج فهما نقيضان، لأن الايديولوجيا تنزع للرؤية الأحادية المرتهنة لقاعدتي (إما، أو) و(مع أو ضد)، ومكبلة بكل القيود التي تحددها تلك الايديولوجيا أو تلك. في حين أن الثقافة المستنيرة تكون متجردة في أحكامها، وتميل إلى المعالجة المنهجية العلمية في الحكم والتعليل.
إذن الموضوعية والحياد عنصران لا يستقيمان مع مفهوم الايديولوجيا التي تجعل من معتنقها واقفاً معها، ومبرراً مواقفها على الدوام بغض النظر عن مشروعيتها أو صحتها، ولذلك فهي لا تعترف أو لا يهمها الموقف القيمي، بقدر ما أن مرادها يكمن في تحقيق أهدافها من دون أن تُعير اهتماماً لمخاطر نتائجها أو عدم صوابية مضامينها، وهو ما قد يعرضها للسقوط والانهيار.
غير أن المتابع للأحداث يعلم بأن أيديولوجية القاعدة لم تكتف باختراق نسيج المجتمعات الإسلامية من خلال توظيف النص الديني مستغلة المناخ الديني والبيئة المحافظة لزرع أفكارها الراديكالية في تلك المجتمعات التي تحمل الكثير من التقديس لكل ما هو ديني، بل تجاوزت كل ذلك لتستهدف الشباب المسلم في الغرب وتجنيده من اجل القيام بعمليات إرهابية في الغرب من اجل تكريس العداء والقطيعة مع دول الغرب التي هي ،للمفارقة، يحمل أولئك الشباب جنسياتها.
بيد أنه من باب الإنصاف القول بأن ثمة عوامل يتعرض لها الشباب المسلم أو الأقليات المسلمة في بعض دول الغرب لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر، كالتهميش والتضييق والاشتباه الدائم، وانتهاك حقوقهم، ما يحفزهم لقبول طروحات وخطابات الحركات الراديكالية، وما يجعلهم عرضة للتجنيد وبالتالي الانخراط في الخلايا الإرهابية.
طبعا هذا لا يعني أننا نبرر القتل، فالعنف مرفوض تحت أي ذريعة، ومع ذلك تبقى مسؤولية تلك الدول في احتوائهم ومعاملتهم كمواطنين بحيث تكون لهم ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
ومع مغبة الخلط بين الإسلام والتطرف الديني الذي تمثله القاعدة، وهو أمر بات يستوعب الغرب بدليل ما نلمسه من تصريحات وتعليقات على الأقل في خطابه الرسمي. غير أن سقوط معتنق هذا الفكر المتطرف لدينا أو في الغرب في يد العدالة لا يعني بالضرورة تلاشي الفكر ذاته، ولذا فإن الايديولوجيا لم تنته ولن تنتهي، ما لم نواجهها بأسلوب نقدي معرفي، وليس بإنتاج مقولات ذات طرق دفاعية وتبريرية، واجترار آراء مستهلكة ناهيك عن خطاب ينزع إلى الانفعال اللحظي، وإنما بالتحول إلى فعل يمارس النقد، أي نقد أدوات وآليات ومضامين هذا الفكر من حيث المفهوم والرؤية والمنهج .
جريمة تولوز تكشف بحقٍ عن صدام حضاري مقلق لا يلبث أن يتفاقم مع القادم من الأيام، ورغم أن المتطرفين من الطرفين قلة، إلا أن دور العقلاء في المجتمعات الإسلامية والغربية يتمثل في مواجهة التطرف وذلك بترسيخ التعايش والتسامح والتركيز على القواسم المشتركة التي تجمعنا عوضاً عن الاختلافات التي تفرقنا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.