جاء البيان الختامي للقمة الخليجية السادسة والأربعين ليؤكد وحدة الأمن الخليجي ورفض التدخلات الخارجية، مع توسيع مجالات التعاون السياسي والاقتصادي. وفي هذا السياق، برز إطلاق هيئة الطيران المدني الخليجية ومشروع السماء الخليجية الواحدة بوصفهما خطوة تعكس انتقال المجلس من التنسيق التقليدي إلى بناء مؤسسات مشتركة تعزّز الحركة الاقتصادية وتوحد السياسات التنظيمية. ويقود هذا التحول بطبيعته إلى إعادة النظر في الدور التاريخي للأمانة العامة التي تحمل عبء تنفيذ القرارات منذ تأسيس المجلس، إذ تشكّل جزءاً محورياً في استمرارية المشروع الخليجي. شهدت الأمانة العامة منذ عام 1981 تعاقب سبعة أمناء عامين مثّل كلٌّ منهم مرحلة خليجية ذات ملامح مختلفة. وقد برزت الكويت بحضور واضح عبر ثلاثة أمناء، بدءاً بعبدالله يعقوب بشارة الذي رافق التأسيس، ثم نايف الحجرف في فترة الجائحة، فجاسم البديوي الذي تزامنت ولايته مع توسّع مشاريع التكامل الجديدة. كما قدّم كل من فاهم القاسمي من الإمارات، وجميل الحجيلان من السعودية، وعبدالرحمن العطية من قطر، وعبداللطيف الزياني من البحرين إسهامات عكست طبيعة المرحلة التي تولّوا فيها المنصب. فيما حافظت سلطنة عُمان على نهج مؤسسي متزن لم يدفعها إلى المطالبة بالمنصب، انسجاماً مع سياستها الهادئة في الإقليم. هذا التنوع في التمثيل لا يُقرأ بوصفه تفاوتاً، بل يعكس اختلاف أدوار الدول وأولوياتها في كل مرحلة؛ فالمجلس مرّ بتحولات أمنية وسياسية واقتصادية متتابعة، من إعادة بناء العلاقات بعد حرب تحرير الكويت، إلى التغيّرات الإقليمية اللاحقة لأحداث سبتمبر، ثم تقلبات العقد الماضي وما شهدته المنطقة من تحولات واسعة. وفي كل مرحلة، جاء حضور الأمين العام متوافقاً مع حاجات السياق ومتطلبات العمل المشترك. ومع توسّع المبادرات التخصصية اليوم، مثل السماء الخليجية الواحدة والمشاريع اللوجستية والتقنية، تبدو الأمانة العامة إطاراً يعكس هذه الحركة أكثر من كونها مجرد موقع إداري ثابت. وتتجه المنظومة الخليجية اليوم نحو رؤية أوسع تستند إلى مبادئ إعلان الصخير الذي وضع أسساً لوحدة الصف، وحماية السيادة، وتطوير الشراكات، وتسريع مشاريع التكامل، وبناء مجتمع خليجي قادر على مواكبة المستقبل. ويشكّل الإعلان، إلى جانب المؤسسات الخليجية الحديثة، انتقالة نوعية نحو بنية تعاون تتقدّم بخطوات عملية تتجاوز التنسيق إلى بناء أنظمة مشتركة تسهم في تعزيز مكانة الخليج إقليمياً ودولياً. وهكذا تبدو نهاية هذه الدورة مدخلاً لبداية رؤية أشمل، تُعيد صياغة دور المجلس بما ينسجم مع تحولات الواقع وطموحات الشعوب الخليجية.