إقرار الميزانية السعودية للعام القادم 2026 في مدينة الدمام شرق المملكة، لم يكن حدثاً مالياً فحسب، بل رسالة وطنية – اقتصادية - اجتماعية مركبة، حيث المنطقة الغنية بالنفط، والصناعات البتروكيماوية، والثروة السمكية، المطلة على الخليج العربي، ما يجعلها تكتسب أهمية استراتيجية، خصوصاً أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، توجه منها مباشرة إلى العاصمة البحرينية المنامة، لحضور اجتماع القمة الخليجية، والذي ناقش التطورات الإقليمية والتحديات التي تواجه دول الخليج العربي وأطر التنسيق المشترك بينها. حديث ولي العهد عقب الإعلان عن "الميزانية" عن أن "مصلحة المواطن في صدارة أولويات حكومة المملكة" جاء في سياق مؤسسي واضح، حيث "مجلس وزراء" يعتمد أرقاماً كبيرة، وقيادة سياسية تُعيد توجيه هذه الأرقام نحو البعد الاجتماعي والحوكمي، بحيث يكون المواطن هو أساس التنمية والتطوير، وأن على الوزارات المختلفة العمل من أجل تحقيق رفاهيته وتلمس احتياجاته، وإزالة أي عقبات تعترض طريقه ومستقبل عائلته! هذا التشديد على مركزية المواطن يعكس رؤية حديثة في آلية إدارة المال العام. في النموذج الريعي التقليدي، كان الإنفاق موجهاً لتثبيت الاستقرار عبر الدعم المباشر والمشاريع الخدمية الواسعة. أما في النموذج الجاري تشكله حالياً ضمن "رؤية المملكة 2030" فإن مصلحة المواطن تُعاد صياغتها عبر ثلاث أدوات رئيسة: تنويع مصادر الدخل، رفع إنتاجية الاقتصاد غير النفطي، وربط الإنفاق بالنتائج الفعلية القابلة للقياس.. ومن خلال ذلك يصبح المواطن مستفيداً من التحول الاقتصادي وفاعلاً فيه، لا فقط عبر عوائده الريعية. لكن النقطة الأهم ليست حجم الإنفاق، بل أثره البنيوي على الحياة العامة، واستمرارية هذا الأثر وتطوره، بما يلبي الاحتياجات المتنوعة والمتزايدة للمواطنين يوماً بعد آخر. إن تحقيق الرفاه العام لا يُقاس بعدد المشاريع المعلن عنها، وإنما بقدرتها على تخفيض البطالة، وتوفير فرص عمل جديدة، وزيادة عدد المقاعد الجامعية، ورفع مستوى التعليمين المهني والأكاديمي، وأيضاً تحسين جودة الخدمات العامة، وتقليص التفاوت التنموي بين المناطق، بحيث تكون التنمية المتوازنة هي الأساس، وجميعها نقاط أكد عليها الأمير محمد بن سلمان في عدة محافل داخلية. دور الصناديق السيادية والتنموية الذي أشار إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أكثر من مناسبة، يندرج في هذا السياق. فهذه الصناديق لم تعد مجرد جهات تمويل، بل أدوات لإعادة توجيه هيكل الاقتصاد نحو قطاعات عالية القيمة، نجاحها المباشر سينعكس على المواطن، عبر سوق عمل أكثر استقراراً ونمواً، وقدرة أعلى على امتصاص الصدمات الخارجية والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية وتقلبات أسعار الطاقة. إن مصلحة المواطن في أحد أهم تمظهراتها، يمكن أن تلمسُ من خلال ما يُعرف في الاقتصاد العام ب"كفاءة التخصيص وجودة المخرجات". أي أن السؤال الجوهري لا يتصل بكم يُنفق، بل أين وكيف وبأي عائد اجتماعي - اقتصادي؟ وهذه النقطة تحديداً هي التي تختبر أثر أي ميزانية في بعدها التنموي. فالإنفاق على الإسكان أو التعليم أو الصحة –مثلاً- لا يترجم تلقائياً إلى رفاه ما لم يُدار وفق مؤشرات أداء ومعايير جودة وآليات محاسبة واضحة، تقلص الهدر وتُحسن كلفة الخدمة، وتجعل المواطنين شركاء في تحقيق النتائج، وليس مجرد متلقين غير فاعلين.