الاستثمار في الإنسان مكلف وطريقه طويل، وبحاجة للبدء من حيث انتهى الآخرون.. لكن نتائجه مبهرة، خصوصاً أن المملكة من أسرع الدول نمواً، ومن أكثرها في استقبال السائحين وخدمتهم، وتحتل المركز الأول في مد يد العون لغيرها من المحتاجين مقارنة بدخلها الإجمالي.. رؤية 2030 أثمرت وألهمت، وحان الوقت لتشمل كل المجالات من أجل حياة أفضل للجميع.. انطلقت النهضة الحديثة من أوروبا بعد صراع طويل مع الكنيسة، والتعصب الديني الذي أدخل القارة في حروب طاحنة، بعضها استمر ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت. اليوم يطلق عليها القارة العجوز، لكن الحقيقة أنها قارة العلم، ومنار الحرية، والعناية بأضعف حلقات المجتمع كذوي الإعاقة. يقول أحد المبتعثين إلى بريطانيا وهو أب لطفلة معاقة: بعد وصولي بأسابيع زارني في المنزل عدد من الأشخاص ليتأكدوا من حصول طفلتي على كافة حقوقها كمعاقة، ومنها الوصول الشامل إلى كل مكان داخل المنزل. وإجراء كل التحسينات المطلوبة، ومنها تركيب مصعد للدور الأول. وتأمين النقل المناسب من البيت إلى المدرسة بوسيلة نقل مناسبة مع مرافقة. وأخذها من المنزل مرتين في الأسبوع للتنزه في الحدائق والمتاحف وغيرها. سألهم والدها: كم سيكلفني ذلك؟ أجابوا: لا شيء، هذه خدمة مجانية، وحق لكل معاق يعيش في بريطانيا، والتكاليف تتكفل بها الحكومة المحلية، وينص عليها نظام ذوي الإعاقة. ولو اتجهنا شمالاً للدول الإسكندنافية لوجدنا أن لديها أنظمة مشابهة. والكثير مما يمكن الاستفادة منه، وعلى سبيل المثال، تؤمن هذه الدول أفضل بيئة للسجناء، وبخاصة في النيروج، والهدف من السجن هو تمكين السجين من العودة للمجتمع كمواطن صالح ومنتج، وجار تؤمن جيرته. مع محاولة ألا يعود للسجن مرة ثانية. لذا تصمم السجون لتكون بيئة صحية، يتمتع فيها السجين بحرية الحركة، والعمل والدراسة، وممارسة الرياضة والهوايات. وقد استوحت ولاية بنسلفينيا في أميركا، مشروع السجون المثالية من النرويج، وبدأت بمشروع يمكن أن يصبح نواة للسجون في أميركا التي تكتض بالسجناء، ويسودها العنف والجريمة والاغتصاب. ويعاني الضباط القائمون عليها من الضغوط النفسية. وترصد الكثير من التجاوزات من قبل القائمين على السجون بحق السجناء. وفي دولة السويد أنظمة وممارسات حضارية كثيرة، يمكن الاستفادة منها. كأنظمة المرور، وحسن اختيار وتأهيل ضباطه. ورصد حوادث الطرق، ومعرفة مسبباتها، والعمل على تفاديها، ونشر الإحصائيات عن الحوادث المميته وأسبابها. وتمتاز فنلندا بجودة تعليمها، وهو ما نقلها من دولة تعتمد على الزراعة، والحرف اليدوية كقطع الأخشاب وتصنيعها إلى التقنية، وبناء الشركات الكبيرة، مع التركيز على جودة الحياة، لتصنف في مقدمة الدول في مؤشر السعادة. وسبب جودة تعليمهم كفاءة المعلمين والمعلمات، بدءاً بالإعداد، وحسن الاختيار، والتأهيل المستمر. ورفع قيمة المعلم في المدرسة والمجتمع، ولذا يتقدم إلى وظائف التعليم كل عام أفضل الخرجين من الجامعات، ولا يقبل منهم سوى 10% من المتقدمين. كما توفر مدارسهم بيئة تعليمية جاذبه للمعلم والطالب. وللمدارس تواصل مستمر وفعال مع أولياء الأمور والمجالس المحلية. وتمتاز هولندا بقوة اقتصادها، وتتجاوز قيمة اقتصادها المحلي الإجمالي ترليون دولار رغم صغر المساحة، وعدم وجود مصادر طبيعية سوى الإنسان، حيث يتم الاهتمام به منذ وقت مبكر، ويعمل الطلبة في وظائف تتناسب وأعمارهم. ويعتمد اقتصادها على التصدير، ومن أهم صادراتها المنتجات الزراعية كالورد والأجبان والفواكه، وتعد ثاني مصدّر للمواد الزراعية بعد الولاياتالمتحدة الأميركية. كما تهتم بالسياحة، وبالخدمات التي توفر حوالي 70% من الوظائف. وتمتاز ألمانيا بجودة تدريب يجمع بين الدراسة النظرية والتدريب العملي في الشركات، ومدته من عامين إلى ثلاثة أعوام ونصف العام.. يكتسب خلاله المتدرب الخبرة، ويصرف له مرتب شهري، ويهدف إلى تأهيلهم مباشرة لسوق العمل، والحصول على شهادة مهنية. ويوفر مئات التخصصات كالهندسة والتمريض والتكنولوجيا والأعمال المكتبية والسياحة وغيرها. ومطلوب من الشركات قبول الطلبة وتدريبهم، وتوظيف المناسب منهم. وهذا ما يجب أن يكون لدينا، وبخاصة الشركات الكبيرة التي تمتلك فيها الدولة نسبة من رأس المال، أو ترتبط معها بعقود. وشركات صندوق الاستثمارات العامة. والمستشفيات وغيرها. المملكة تتقدم بخطى ثابتة لصناعة المستقبل لا انتظاره، كما أشار إلى ذلك وسمو لي العهد الأمير محمد بن سلمان.. وهذا يقتضي أن نبحث عن أفضل الممارسات في أفضل الدول وتوطينها، مع التركيز على أضعف فئات المجتمع، كذوي الإعاقة، وكبار السن، وقليلي الدخل.. والتعامل مع العنف الأسري، والاهتمام بالسلامة على الطرق، وتأهيل نزلاء السجون. النجاح يقود إلى نجاحات كثيرة، والتركيز على العناية بالإنسان من أعظم الاستثمارات التي ستبرز مملكة الإنسانية كواحدة من أفضل دول العالم في مجال حقوق الانسان والسلامة المرورية وغيرها. الاستثمار في الإنسان مكلف وطريقه طويل، وبحاجة للبدء من حيث انتهى الآخرون.. لكن نتائجه مبهرة، خصوصاً أن المملكة من أسرع الدول نمواً، ومن أكثرها في استقبال السائحين وخدمتهم، وتحتل المركز الأول في مد يد العون لغيرها من المحتاجين مقارنة بدخلها الإجمالي.. رؤية 2030 أثمرت وألهمت، وحان الوقت لتشمل كل المجالات من أجل حياة أفضل للجميع.