في فضيحة إعلامية مدوية استقال المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تيم ديفي، والرئيسة التنفيذية لقسم الأخبار ديبورا تورنيس، بعد الكشف عن قيام وكالة (بي بي سي) بتحرير اقتباسات ترمب في السادس من يناير لتبدو وكأن ترمب يدعو إلى تمرد. بدايةً عزيزي القارئ، نقدم لك إضاءة سريعة عن خلفية قضية السادس من يناير وأهميتها، حين تقدم المستشار الخاص بوزارة العدل جاك سميث وفريقه من المدعين العامين بلائحة اتهام تشير إلى أن الرئيس السابق -ترمب- انخرط في "مؤامرة" لعرقلة وظيفة الحكومة الفيدرالية التي يتم من خلالها جمع نتائج الانتخابات الرئاسية، وإعاقة إجراءات الكونغرس في يوم 6 (يناير) 2020. ذلك التاريخ الذي تم فيه إحصاء النتائج المجموعة للانتخابات الرئاسية والمصادقة عليها. على ضوء هذا الاتهام تبنى مجلس النواب ال117 للمرة الثانية مادة لمحاكمة ترمب تحت تهمة "التحريض على التمرد"، مشيرًا إلى أن الرئيس ترمب حرض على هجوم 6 يناير 2020 الذي وقع على مبنى الكونغرس؛ بمحاصرة أنصاره لمبنى الكابيتول وتسللهم إلى داخله مهددين أمن أعضاء الكونغرس وسلامتهم. ولكن للمرة الثانية برأ مجلس الشيوخ الأميركي الرئيس -السابق- دونالد ترمب من تهمة التحريض، وصوت أعضاء مجلس الشيوخ بأغلبية 57 مقابل 43 لصالح البراءة. عودًا إلى قضية استقالة المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تيم ديفي، والرئيسة التنفيذية لقسم الأخبار ديبورا تورنيس، وهي محور النقاش، فتعد هذه الفضيحة أول شاهد لا يقبل الجدل على أن السرد الإعلامي عبر منصات الإعلام اليسارية في الغرب مؤدلج ومسيس وفاقد للأهلية والمصداقية، وهذا بالنسبة للمراقب الحذق ليس بالأمر المستغرب أو الصادم. هذا الإعلام الذي تتصدره كما يبدو "نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وسي إن إن، وسي إن بي سي" وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) انطلق في حرب لا هوادة فيها، وفي هذا الشأن أشار استطلاع الرأي الصادر عن مركز بحوث وسائل الإعلام إلى أن 92 % من تغطية وسائل الإعلام الرئيسة لترمب سلبية، وذلك خلال أربعة أشهر من تاريخ 10 أكتوبر 2018، وهو الإطار الزمني الذي شملته الدراسة. عزيزي القارئ، اتخذ إعلام اليسار قرارًا في وقت مبكر من عمر ترمب السياسي، هذا القرار تلخص في أن الهدف هو إسقاط الرئيس دونالد ترمب، أو على أقل تقدير شيطنته وإعاقة مشروعه السياسي والاقتصادي حتى لو كلف الأمر إغفال المبادئ المهنية، وعلى رأسها الموضوعية وتحري الحقيقة من خلال تقارير صحيفة تلتزم بالحيادية. وفي هذا السياق كتب جيم برتنبيرق على الصفحة الأولى مقالاً تحت عنوان: (ترمب يعد اختبارًا لقواعد الموضوعية في الصحافة)، وذلك في السابع من أغسطس 2016 في جريدة "نيويورك تايم" قال فيه: «إذا كنت تعتقد أن ترمب شخصية عنصرية، ومتطرف قومي، وأنه يميل نحو الديكتاتوريين المناهضين للولايات المتحدة، كيف من المفترض أن تغطيه إعلاميًا؟! يجب عليك التخلص من المفاهيم الصحفية التي تعلمتها خلال تواجدك على مقعد الدراسة ويعمل بها الصحفيون لأكثر من نصف قرن، إن لم يكن لفترة أطول، والتعامل معه بطريقة لم تتعامل بها قط في أي شيء من حياتك المهنية». هذا المقال كان بمثابة الدليل الإرشادي لما يجب أن تكون عليه تغطية الأحداث المتعلقة بالرئيس دونالد ترمب وإداراته، أو إذا صح التعبير (ميثاق شرف داخل إعلام اليسار)، ويبدو أن المدير العام تيم ديفي، والرئيسة التنفيذية ديبورا تورنيس أول ضحايا هذا النهج المعوج وهذا الميثاق الفاسد. عزيزي القارئ، لقد قاتل ترمب وحيدًا الإعلام اليساري الفاسد، وكان من أشرس تلك المعارك التي كان من شأنها إقصاء الرئيس ترمب للأبد إيقاف حسابه على أهم منصة إعلامية عرفها التاريخ -تويتر- بذريعة أنه ينشر معلومات مضللة، ولكن بعد هذه الفضيحة المدوية سيقف الكل والجميع احترامًا وتقديرًا للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي قال مرارًا وتكرارًا بأن تلك المنصات تنشر الأكاذيب والأخبار الزائفة. تعاطي الإعلام مع حادثة السادس من يناير والتي شكلت لها لجنة في الكونغرس من أجل وضع "المسمار الأخير في النعش" وأقصد في هذا المقام مستقبل ترمب السياسي، يمثل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مشهدًا قبيحًا ومذلًا للسرد الإعلامي الغربي، ويعكس صورة مشوهة لما وصل إليه الإعلام بشكل عام، فهل ستكون حادثة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بداية لتصحيح المسار وإعادة صياغة الخطاب الإعلامي وفق القيم والمبادئ الأخلاقية؟