طرح صاحب أحد الحسابات الرائدة على منصة إكس تساؤلًا مشروعًا وهو: لماذا "زهران ممداني" أخذ كل هذا الزخم الكبير في الأخبار وهو مجرد شخص فاز بمنصب "عمدة"؟ وبحسب تغريدة صاحب الحساب طرح هذا السؤال على الذكاء الاصطناعي ولم تكن إجاباته مقنعة! من جهتي تفاعلت مع صاحب الحساب، ولكن كان ردي عليه مختصرًا جدًا؛ لذلك وجدت من المناسب تخصيص مساحة لهذا التساؤل. عمدة نيويورك يعد منصبًا محدود التأثير على الصعيد الفيدرالي، وبالرغم من ذلك كان زهران ممداني حديث وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة، وحملته الانتخابية أثارت اهتمام جميع المتابعين للسياسة الأميركية! وهذا يعود في تقديري إلى عدد من العوامل، وهي كالآتي: أولاً، تعد نيويورك عاصمة الرأسمالية في العالم؛ لذلك يعكس فوز شخصية تمجّد الفكر الاشتراكي بالعمودية فيها أمرًا مثيرًا للتعجب والجدل، ويدعو إلى إعادة التفكير في مستقبل نيويورك خصوصًا، والفكر الرأسمالي في أميركا عمومًا. في تقدير المراقبين يمثل هذا الفوز حجر الزاوية للتحول الفكري في الولاياتالمتحدة الأميركية، وأول صرخة مدوية في وجه الرأسمالية التي هيمنت على الولاياتالمتحدة الأميركية لعدة قرون. ثانيًا، شخصية زهران ممداني وأطروحاته على نقيض الرئيس دونالد ترمب خصوصًا فيما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية الذي أقل ما يقال عنه إنه ملف ملتهب بعد أن حرك ترمب قوات الحرس الوطني لإنهاء هذه الظاهرة. لذلك يأتي فوز المهاجر زهران المناصر للهجرة غير الشرعية بمنصب عمدة نيويورك بمثابة رد مباشر على سياسة الرئيس ترمب. ثالثًا، الناخب الديموقراطي يبحث عن انتصار ولو رمزي أو صوتي إذا صحّ التعبير بعد خيبة الأمل على الصعيد الفيدرالي بعد فوز ترمب المدوي بالانتخابات الرئاسية للمرة الثانية، وكذلك انتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب من قبل حزب ترمب. وفي هذا السياق قال الرئيس السابق باراك أوباما في آخر ظهور له: "كما رأينا هذا الأسبوع، بإمكاننا تغيير هذا البلد نحو الأفضل. لكن الأمر يتطلب منا جميعًا أن ننظم أنفسنا ونتحاور بصراحة حول أفضل السبل للمضي قدمًا". رابعًا، الحضور الإعلامي الطاغي -كاريزماتك- من قبل زهران ممداني خصوصًا تفاعله مع وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن الكثير من المراقبين شبهه بقدرات باراك أوباما والرئيس ترمب أمام الكاميرات وفوق المنصات. خامسًا، يعبر ممداني عن صوت المواطن البسيط والأقليات المهمشة "خطاب شعبوي". ومشروعه الانتخابي يلامس هموم المواطنين ويدغدغ مشاعرهم وأحلامهم التي تبعثرت بعد اتساع الفجوة بين الأثرياء والطبقة العاملة في ولاية نيويورك. تعهد ممداني بخفض أسعار السلع، وإيقاف ارتفاع أسعار الإيجارات، وزيادة الإعانات المالية لذوي الدخل المحدود وتقديم رعاية صحية مجانية للجميع بما في ذلك المهاجرين غير الشرعيين. ممداني يؤكد في خطاباته بأنه سوف يحل جميع مشاكل المجتمع في نيويورك وفي هذا السياق قال: "سنثبت أنه لا توجد مشكلة أكبر من أن تتمكن الحكومة من حلها". أخيرًا وليس آخرًا، دعم الملياردير جورج سوروس الذي يهيمن على المنصات الإعلامية المتنفذة، ويعد عراب السردية الإعلامية في الولاياتالمتحدة الأميركية. بالرغم من أن سوروس صناعة الرأسمالية الأميركية إلا أنه في العقود الثلاثة الأخيرة أصبح داعمًا قويًا للأفكار الاشتراكية! بالرغم من هامشية هذا المنصب إلا أن عمدة نيويورك الجديد زهران ممداني سيكون محل اهتمام وتحت أنظار الشعب الأميركي، وكذلك المهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي من جميع دول العالم، وذلك يعود إلى كون أفكار ممداني غريبة على الحضارة الأميركية، وهذا يمثل أول اختبار حقيقي لها. زهران ممداني