بقي أن الاستعداد للمونديال القادم يبدأ من اليوم، فالمرحلة المقبلة هي التحدي الأكبر، وتحتاج إلى منظومة إدارية وفنية قادرة على المنافسة، ومعسكرات متقدمة مع الاستثمار في المواهب الوطنية، وبناء الاستمرارية في الإنجاز بما يليق بالوطن ومكانته ودعم قيادته.. تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم حدثٌ أضاء سماء الوطن، مؤكدًا أن الرياضة السعودية تسير في مسارها العالمي بثقة ووعي. هذا التأهل يعبر عن نضج التجربة الرياضية التي انطلقت برؤية وطنية جعلت من الرياضة أداة للتنمية، ومجالًا لتجسيد طموح المملكة في بناء الإنسان وتعزيز حضورها العالمي. المنتخب السعودي اليوم ثمرة مسيرة عمل مؤسسي طويل، قادته القيادة الرشيدة نحو ترسيخ مفهوم الرياضة بوصفها قوة ناعمة تعكس هوية المملكة الحديثة. منذ الظهور الأول في مونديال 1994م بالولايات المتحدة، ارتبط اسم السعودية بالإنجاز والتميز، ففي تلك البطولة صنع الأخضر لحظة تاريخية عندما تأهل إلى الدور الثاني وسجل سعيد العويران هدفه الأشهر في شباك بلجيكا، ليصبح علامة خالدة في ذاكرة الجماهير، وتوالت المشاركات في أعوام 1998 و2002 و2006 و2018 و2022، لترسخ السعودية مكانتها كأحد أكثر المنتخبات الآسيوية استمرارية في المونديال. تلك المشاركات هي من شكلت هوية رياضية متجددة، ورسالة وطنية مفادها أن الحلم لا يتوقف عند حدود المشاركة، بل يمتد نحو المنافسة والطموح العالمي وأكثر.. الرياضة السعودية تعيش اليوم في عهد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مرحلة تاريخية غير مسبوقة، حيث تطورت البنية التحتية الرياضية وتأسست الأكاديميات المتخصصة، ونُفذت برامج اكتشاف المواهب، وارتفعت كفاءة الأندية في الإدارة والحوكمة، بل تحولت الرياضة إلى قطاع اقتصادي حيوي يستقطب الاستثمار، ويخلق فرصًا نوعية للشباب، ويرسخ حضور المملكة في صناعة الرياضة الحديثة. الملاعب السعودية أصبحت منصات عالمية تحتضن البطولات الكبرى وتستقبل الجماهير من مختلف دول العالم في مشهد حضاري يجمع بين الشغف والتنظيم والإبداع. ومن يتابع الحركة الرياضية السعودية الحديثة، لا بد أن يستوقفه الاحتراف الدولي في الأندية السعودية، والذي يمثل مرحلة نضج كروي غير مسبوقة، فانضمام نجوم عالميين مثل كريستيانو رونالدو، كريم بنزيما، نيمار، ساديو ماني، رياض محرز، نجولو كانتي، جوردان هندرسون، روبرتو فيرمينو، مارسيلو بروزوفيتش، وألكسندر ميتروفيتش أضفى على الدوري السعودي طابعًا عالميًا مهيبًا؛ ووجود هذه الأسماء اللامعة نقل الخبرة الاحترافية إلى الملاعب المحلية، ورفع مستوى المنافسة، وألهم جيلًا جديدًا من اللاعبين السعوديين الذين يعيشون تجربة عالمية داخل وطنهم حتى غدا الدوري السعودي اليوم من بين الأكثر متابعةً على مستوى العالم، وأصبح نموذجًا في الجمع بين الهوية الوطنية والاحتراف الدولي. الرياضة في المملكة تجاوزت كونها نشاطًا ترفيهيًا لتصبح صناعة تنموية متكاملة، حيث التنمية الرياضية أسهمت في تنويع الاقتصاد الوطني، وتعزيز السياحة، وتحفيز قطاعات الإعلام والتقنية والخدمات. كما أسهمت البطولات والفعاليات الرياضية في رفع جودة الحياة، وزيادة المشاركة المجتمعية، وتوطيد قيم الانتماء والعمل الجماعي. الرياضة اليوم تبني مجتمعًا أكثر وعيًا، وتُسهم في تشكيل جيلٍ يؤمن بالمسؤولية والتفوق والعمل بروح الفريق. بقي أن الاستعداد للمونديال القادم يبدأ من اليوم، والمرحلة المقبلة تحتاج إلى معسكرات متقدمة، وشراكات تدريبية عالمية، ومواصلة الاستثمار في المواهب الوطنية. المنتخب السعودي يمتلك طاقات بشرية واعدة، ودعمًا قياديًا غير محدود، ومنظومة فنية قادرة على المنافسة، وبناء الاستمرارية في الإنجاز هو التحدي القادم الذي يستحق العمل لأجله بروح الوطن وثقته في أبنائه. تأهل "الأخضر" إلى كأس العالم لحظة وطنية خالدة تجمع أبناء الوطن على نبضٍ واحد من الفخر. الفرحة امتدت إلى كل بيتٍ سعودي، وغمرت القلوب اعتزازًا بمنجزٍ يعبّر عن إرادة وطنٍ ورؤية قيادة تسير نحو المستقبل بعزيمة لا تعرف التوقف. الرياضة في المملكة قصة وطنٍ يصنع امتدادًا للمجد، ويروي للعالم حكاية إنسانٍ يؤمن أن الحلم يبدأ من الملعب ويمتد إلى سماء المجد وأكثر. باختصار، إنها لحظة تعبّر عن عمق العلاقة بين القيادة والشعب، وتؤكد أن الرياضة السعودية تمضي في مسار متصاعد يعزز حضور المملكة في المحافل الدولية، ويجعل من كل انتصارٍ رياضي صفحة جديدة في قصة وطنٍ يصنع مجده بعمله وعزيمته وإيمانه برؤيته.