في قلب التيسية، محمية الإمام تركي حالياً، أثناء جائحة كورونا حدثني أحد ملاك الإبل معبرًا عن قلقه من تعثر وصول الشعير إلى مملكتنا الحبيبة في ظل الأوضاع الراهنة، ومتسائلاً عن الواقع المتوقع والمرتقب لو حدث ما يتوجس، فقلت له: (يفتح الله سماه)، فتبسم وانتهى النقاش؛ ولا شك أن توجسه في محله، وظني بالله في محله، والأمر بعد الله لأهل الحل والعقد وصناع القرار في مواجهة مثل هذه التحديات. إن ما حدث من قرار إنشاء المحميات وسن الأنظمة الخاصة بها كان نقلة نوعية في الأمن الغذائي والأمن البيئي، ويشهد له الواقع الذي نعيشه، ومنها الموقع الذي حدث فيه نقاشي مع الصديق فشتان بين حاله وقت النقاش وحاله الآن، ومع ما يحدثه الحمى من توازن بيئي وتحسين الأجواء والتأثير على الأمطار من حيث الزيادة فهو -بإذن الله- أمن غذائي وحفظ للماشية في حال الكوارث وتعثر النقل البحري والجوي، وعند الصباح يحمد القوم السرى. لقد كان البدوي في صحرائه يشاهد التعدي على البيئة وقطع الأشجار بما فيها شجر الطلح، يمتهنه أناس لا مبالين ولم يكن بوسعه فعل شيء، فلا جهة ضبط ذات إمكانيات كافية في حينه ولا سبيل لإيقاف تلك الممارسات الجائرة؛ ومع إيجاد قطاع الأمن البيئي الذي يمثل الذراع الأيمن للمحميات الملكية والهيئة العامة لحماية الحياة الفطرية ووزارة البيئة أصبح الردع موجودًا على الصعيد البيئي بأكمله بما في ذلك الاحتطاب وتدمير البيئة، وقد قيل إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. لا شك أن الناظر للواقع المعاصر يعلم يقيناً أن الله هيأ لهذه المواشي هواة يعتنون بها، مع ما أولته الحكومة لها من اهتمام ودعم ومهرجانات المزاين التي أسهمت بزيادة أعدادها زيادة ملحوظة، فبعد أن كانت المملكة العربية السعودية لا تشكل 5 % من امتلاكها للإبل أضحت في مصاف الدول الأولى إن لم تكن الأولى، إلا أن ذلك انعكس سلباً على الأرض فاختفت الأشجار وانقطعت الديار، لقد كان البادية في السابق يقطنون في فترة الصيف حول الآبار معطين للأرض فرصة الازدهار وعودة الحياة لها، وهم اليوم بصهاريجهم الحديثة يصلون إلى ما كان يتعذر عليهم الوصول إليه إلا فترة الربيع. لقد شاهدنا في ظل سنوات محدودة أثر التنظيم على الأرض وازهار الحياة الفطرية، وشاهدنا حسن التنظيم بمحمية الإمام تركي في المرحلة الأولى للرعي مع محدوديتها ويلمس حجم التغير في عمليات نقاط البيع هناك والنشاط التجاري وعودة الحياة للقرى المحيطة التي تتحدث عن ذلك بشكل ملاحظ مع ما تبين لملاك المواشي من أهمية التقيد بالأنظمة والحرص على تشريح الإبل واتضاح الصورة لهم، بل تجاوز الأمر لأسعار الإبل والغنم فقد أثمرت هذه القرارات بإقبال الناس عليها وارتفاع ملحوظ بالأسعار. من المسلم عقلاً وعرفاً أنه من غير المتصور الحمى الدائم، فالأرض بحاجة للرعي، وما خلق الكلأ إلا للرعي، وهو ما عرفته القبائل في الماضي، فحافظت على الحمى، واعتمدت عليه وقننت السماح لغيرها بالمشاركة وقت الربيع، كما أن أبناء القبيلة الواحدة يحمون جزءاً من الأرض المتدهورة سنة واثنتين حتى تسترد عافيتها، والرعي يساعد في المحافظة على الغطاء النباتي عندما يكون معتدلاً وله دور بخصوبة التربة، حيث تساعد مخلفات الماشية في تسميد الأرض كما ينظم نمو النباتات ومنع سيطرة نمو نوع واحد عليها، وفيه أمان من الحرائق بنوع واحد عليها، وفيه أمان من الحرائق بإذن الله. والمطلع على الأنظمة الخاصة بتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يتجلى له الاهتمام بالتنظيم والطاقة الاستيعابية لكل أرض بشكل واضح مع ما يتناسب مع تحقيق أهداف الرؤية في مجال البيئة وتحقيق التوازن البيئي والرعي المستدام.