يُعد التمويل العقاري ركيزة أساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى رفع نسبة الملكية السكنية إلى 70 % بحلول 2030، ففي 2024، بلغ حجم التمويل العقاري في السعودية 226 مليار دولار، بدعم برنامج "سكني" وشركة إعادة التمويل العقاري السعودية (SRC)، مع نمو سنوي 13 % لتعزيز هذا القطاع. في هذا التقرير، نستعرض التجارب العالمية الناجحة في التمويل العقاري، مع مقارنتها بالسوق السعودية، ونقدم تقييماً شاملاً لهذه التجارب، وإعطاء مقترحات لتحسين السوق. حجم التمويل العقاري عالمياً يُشكل التمويل العقاري عماد الاقتصادات العالمية، حيث يُقدر الدين العقاري العالمي بحوالي 200 تريليون دولار في 2024، مع توقعات بارتفاعه إلى 210 تريليونات في 2025، مدفوعاً بارتفاع أسعار العقارات والطلب في الأسواق الناشئة. في الولاياتالمتحدة، يبلغ الدين العقاري 20.83 تريليون دولار، بينما يشكل في الصين حوالي 40 % من الديون المنزلية.. هذه الأرقام تُبرز أهمية التمويل العقاري في النمو الاقتصادي، لكنها تحذر من مخاطر مثل فقاعات الأسعار، كما حدث في أزمة 2008. التمويل العقاري في السعودية يعتمد النظام السعودي على برنامج "سكني"، الذي يقدم قروضاً مدعومة بفوائد منخفضة (3-5 %)، مع نسبة تمويل تصل إلى 90 % من قيمة العقار للمشترين الأوائل. شركة SRC تشتري القروض من البنوك لتوفير السيولة، حيث بلغت الإصدارات الجديدة 91 مليار ريال في 2024، ويعتبر هذا النظام فعال حيث يعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي، مع سوق ثانوي للأوراق المالية المدعومة بالرهون (MBS) ولكنه، لا يزال في بداياته، مقارنة بالأسواق المتقدمة. الولاياتالمتحدة.. سوق تنافسي مع دعم حكومي في أمريكا، يُعد السوق العقاري الأكبر عالمياً بحجم دين 20.83 تريليون دولار في 2024، وإصدارات سنوية تتجاوز 2.3 تريليون دولار.. هيئات مثل "فاني ماي" و"فريدي ماك" تشتري القروض من البنوك وتحولها إلى أوراق مالية (MBS)، مما يوفر سيولة ويخفض الفوائد إلى 6.5-7 %. ساعد هذا النظام 65 % من الأمريكيين على امتلاك منازلهم، لكنه تسبب في أزمة 2008 بسبب القروض الفرعية. المقارنة مع السعودية: السوق الأمريكي أكبر وأكثر تنافسية، لكنه أعلى مخاطر بسبب القروض غير المدروسة.. السعودية تقدم فوائد أقل (3-5 %)، لكن سوقها الثانوي أقل تطوراً من الولاياتالمتحدة، مما يحد من السيولة، ولهذا فإن إنشاء سوق ثانوي قوي كأمريكا يزيد من السيولة، لكن يجب تنظيمه لتجنب المخاطر. مثال بسيط: في أمريكا، البنك يبيع قرضك لهيئة حكومية ليحصل على نقود جديدة، بينما في السعودية، SRC تقوم بدور مشابه لكن بطاقة أقل. الصين: ادخار إلزامي مع دعم حكومي في بكين، يصل الدين العقاري إلى 8-10 تريليون دولار، ويعتمد على "صندوق الإسكان الإلزامي"، حيث يُخصم 7-12 % من راتب الموظف للادخار السكني، مما يوفر قروضاً بفوائد 3-5 %.. يغطي النظام ملايين الأسر، خاصة في المدن، ويرفع الملكية إلى 90 %، لكن ارتفاع الأسعار يشكل تحدياً. المقارنة مع السعودية: السعودية مشابهة في الدعم الحكومي عبر "سكني"، لكن الصين تغطي شريحة أوسع بفضل الادخار الإلزامي.. الفوائد متشابهة، لكن السعودية ليس لديها نظام ادخار شامل، في الوقت نفسه، يقلل ربط الادخار الإلزامي بالقروض من الاعتماد على الديون الخارجية. مثال بسيط: في الصين، جزء من راتبك يذهب لصندوق سكني، ثم تحصل على قرض رخيص، بينما في السعودية تعتمد على قرض "سكني" مباشرة. ألمانيا: توفير منظم للاستقرار يبلغ الدين العقاري في ألمانيا حوالي 1.9 تريليون يورو، مع الاعتماد على "عقود التوفير السكني"، ويدخر الأفراد لسنوات في حساب جماعي، ثم يحصلون على قروض بفوائد ثابتة (2-3 %) لمدة طويلة، ويغطي النظام 40 % من القروض ويضمن استقراراً، لكن نسبة الملكية 50 % بسبب تفضيل الإيجار. المقارنة مع السعودية: السعودية تنمو أسرع (13 % مقابل 2-3 %)، لكن ألمانيا توفر استقراراً أكبر ضد التضخم، وتحتاج السعودية إلى نظام ادخار منظم مشابه، حيث يحمي الادخار المنظم من تقلبات الفوائد، وهو مثالي للأسواق المستقرة. مثال بسيط: في ألمانيا، تدخر 500 يورو شهرياً لسنوات، ثم تحصل على قرض بفائدة ثابتة، بينما في السعودية القرض مباشر من "سكني". بريطانيا: تنافسية مع تقنيات حديثة في بريطانيا، بلغت الإصدارات الجديدة 78 مليار جنيه إسترليني في 2024، مع فوائد 4-5 %.. البنوك الكبرى مثل HSBC تقدم قروضاً تنافسية، وهيئة الرقابة المالية (FCA) تراقب السوق، وتسهل التكنولوجيا الرقمية التقديم، لكن التضخم يسبب تأخيرات، ونسبة الملكية تبلغ 65 %. المقارنة مع السعودية: السعودية أقل رقمنة لكنها تقدم دعماً أكبر للشباب عبر "سكني".. بريطانيا متقدمة في إعادة التمويل، بينما السعودية تركز على المشترين الأوائل، حيث تسرع التكنولوجيا الرقمية والشراكات الدولية الوصول إلى التمويل. مثال بسيط: في بريطانيا، تتقدم لقرض عبر الإنترنت بسهولة، بينما في السعودية العملية أبطأ قليلاً لكنها مدعومة حكومياً. فرنسا: دعم الشباب بلا فوائد يبلغ الدين العقاري في فرنسا 1.29 تريليون يورو، ويغطي برنامج "القرض بدون فائدة" (PTZ) 40 ٪ من تكلفة المنزل للمشترين الأوائل بدون فوائد، مع فترة سماح 5-10 سنوات، مما يرفع الملكية إلى 65 %. المقارنة مع السعودية: السعودية مشابهة في دعم المشترين الأوائل عبر "سكني"، لكن فرنسا تركز أكثر على الاستدامة البيئية.. السعودية لديها فوائد أعلى قليلاً، وتشجع القروض بدون فائدة الشباب، لكن يجب ربطها بشروط استدامة. مثال بسيط: في فرنسا، تحصل على قرض مجاني لجزء من المنزل وتبدأ السداد بعد سنوات، بينما "سكني" يعطيك قرضاً مدعوماً بفائدة منخفضة. سنغافورة: نظام حكومي شامل في سنغافورة، يبلغ الدين العقاري 0.3 تريليون دولار، وتدير هيئة التنمية السكنية 80 ٪ من السوق، ويدخر المواطنون في صندوق إلزامي (CPF) ويحصلون على قروض بفوائد 2.6 %، ونسبة الملكية 90 %. المقارنة مع السعودية: سنغافورة تغطي شريحة أوسع بفضل النظام الشامل، بينما السعودية تنمو أسرع لكن تغطيتها أقل، والفوائد السعودية أعلى قليلاً، حيث يضمن الدمج بين الادخار الإلزامي والقروض الحكومية الوصول العادل. مثال بسيط: في سنغافورة، تدخر إلزامياً ثم تحصل على قرض رخيص من الحكومة، بينما السعودية تعتمد على "سكني" بدون ادخار إلزامي. اليابان: استقرار من الأزمات في اليابان، يبلغ الدين العقاري 3-4 تريليون دولار، مع قروض بفوائد 1-2 % لمدة تصل إلى 100 عام، وقد تعلم النظام من أزمة التسعينيات (فقاعة أسعار الأصول اليابانية حيث تضخمت أسعار العقارات وسوق الأسهم بشكل كبير) والآن تصل نسبة الملكية إلى 60 %. المقارنة مع السعودية: اليابان أكثر استقراراً بفضل القروض طويلة الأجل، بينما السعودية لديها فوائد أعلى لكن مخاطر أقل بسبب الدعم الحكومي، ويؤدي تجنب الإقراض العشوائي والتركيز على القروض طويلة الأمد إلى الاستقرار. مثال بسيط: في اليابان، تدفع أقساطاً صغيرة على 50 سنة، بينما في السعودية القرض أقصر لكن مدعوم. تقييم النموذج السعودي: السوق السعودي صغير مقارنة بالولاياتالمتحدة أو الصين، لكنه ينمو بسرعة (13 %) مثل سنغافورة، ويحتاج إلى تطوير السوق الثانوي ليصل إلى مستوى أمريكا. التكلفة والوصول: فوائد منخفضة (3-5 %) ودعم قوي عبر "سكني" يجعلان التمويل ميسوراً للشباب، مشابه لفرنساوسنغافورة، لكن الرقمنة أقل تطوراً من بريطانيا، مما يبطئ العمليات. الاستقرار والمخاطر: السوق أقل عرضة للفقاعات من الصين أو اليابان بسبب أزمات سابقة، لكنه يعتمد بشدة على الدعم الحكومي، كما أنه يحتاج تنظيماً أقوى كألمانيا لمواجهة التضخم. التقييم العام: النموذج السعودي واعد بفضل الدعم الحكومي، ويتفوق على الأسواق التنافسية مثل أمريكا في التكلفة، لكنه يحتاج إلى تنويع التمويل، ورقمنه أكبر، وشراكات دولية ليصل إلى مستوى سنغافورة أو ألمانيا، ومع الإصلاحات، يمكن أن يصل إلى مستويات أعلى بحلول 2030. مقترحات: 1. تطوير سوق ثانوي للأوراق المالية: تطوير مستوحى من أمريكاوبريطانيا، وتعزيز دور SRC لزيادة السيولة وخفض الفوائد بنسبة 1-2%، مع الاستفادة من شراكات مع BlackRock وApollo في 2025. 2. إطلاق برنامج ادخار إلزامي: كالصينوسنغافورة، إنشاء صندوق ادخار وطني يُخصم من الرواتب لدعم قروض رخيصة، مستهدفاً الشباب (18-35 عاماً). قروض بدون فائدة: كفرنسا، وتقديم قروض حكومية بدون فائدة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، مع فترة سماح 5-10 سنوات. عقود توفير سكني: كألمانيا، وتطوير عقود توفير عبر البنوك بفوائد ثابتة للحماية من التضخم. تعزيز التنظيم والرقمنة: كبريطانياواليابان، واستخدام التكنولوجيا لتسريع التقديم وتعزيز رقابة هيئة السوق المالية، مع شراكات دولية مثل HSBC لجذب استثمارات.