متوسط الدورة العقارية يمتد من 17 إلى 19 عاماً، وارتفاع الأسعار فيها يصل لمدة 12 عاماً، وفي المقابل لا يعمر الانخفاض أكثر من سبعة أعوام، وهذه الأرقام مثبتة بالتجربة والدراسة، ولا زالت مستقرة ومعترفاً بها منذ مئتي عام، ويوجد على المستوى المحلي ارتباط واضح بين أسعار النفط والعقار، فكلاهما يتأثر بالآخر.. في 23 نوفمبر الجاري نشرت الصحافة السعودية عن ارتفاع ملحوظ في أسعار المساكن، وتحديداً في مدينة الرياض دون غيرها، وهذا يعود، في اعتقادي، إلى الحراك الاقتصادي الكبير فيها، وما صاحبه من إيقاف صكوك ونزع ملكيات، ومشاريع تنموية ضخمة، بالإضافة إلى انتقال معظم أصحاب الأعمال والمراكز الإقليمية إليها، ومعها أعداد كبيرة من الموظفين وطالبي التوظيف، السعوديين والأجانب، ولكن الزيادة لم تكن منطقية، بالنظر إلى رفع الفائدة في الفيدرالي الأمريكي لما مجموعة 5 %، فقد زادت قيمة العقارات السكنية بنسبة 400 %، أو بمعدل أربعة أضعاف في الرياض، بينما لم يتجاوز الارتفاع في المنطقة الشرقية خلال الثلاثة أعوام الماضية ما نسبته 90 %. الإشكالية أن السوق العقاري يعيش حالة ركود والإقبال عليه متواضع، وحتى خيارات الناس تغيرت فقد أصبحوا يفضلون الشقق على الفلل السكنية، ويرون أن الدور مكتمل الخدمات في الفيلا أفضل من الشقة، لأن متوسط القيمة في الحالتين متقارب، ولا يزيد على 427 ألف دولار، والمساحة في الأدوار لا تقل عن 240 متراً مربعاً، بينما تتراوح في الشقق ما بين 150 و170 متراً مربعاً، وبالتالي فأخذ الدور أوفر في المساحة وفيه خصوصية. السابق يخص عمليات الشراء المباشر بواسطة الأشخاص، لأن الأمر يختلف في المنتجات السكنية لوزارة الشؤون البلدية والإسكان، والتي توفر عقارات سكنية مدعومة من خلال البيع على الخارطة، بالشراكة مع الشركة الوطنية للإسكان، وبحيث تسلم بعد عامين في الأحوال المثالية، وبأقساط شهرية تصل إلى 90 دولاراً شهرياً، لشقة مساحتها 141 متراً مربعاً، و293 دولاراً، لشقة مساحتها 208 أمتار مربعة، وقيمتها الإجمالية تتراوح ما بين 31 - 48 ألف دولار، وتوجد فلل ديبلوكس مساحتها 244 متراً مربعاً، وسعرها حوالي 77 ألفاً، وكلها مخصصة لمن رواتبهم الشهرية أقل من 1800 دولار، والدعم الحكومي لهذه الفئة يتخطى 13 ألف دولار ولمرة واحدة، ومعها قرض تمويلي من صندوق التنمية العقاري وبرنامج سكني، وبفائدة أقل من سعر السوق، بجانب البديل الخيري المتمثل في: مبادرة جود الإسكان، والتي تهتم بمعالجة المشكلات الإسكانية للفقراء والعوائل الأشد حاجة، وقد تمكنت الأجهزة المعنية من تسكين 60 % من المواطنين، والمستهدف في رؤية المملكة 70 %. ما يحدت هذه الأيام، يتقاطع مع أزمة الرهن العقاري العالمية في عامي 2007 و2008، والتي بدأت من أميركا بعد الكساد الكبير في عام 1930، وبفعل سياسات التمويل العقاري للرئيس الأميركي ثيودور روزفلت في 1933، وقد ساهم ذلك في وصول نسبة تملك الأميركيين للمساكن إلى 65 % عام 1980، ثم وافق الكونغرس الأميركي على بيع القروض لشركات الاستثمار، وأدخل التصنيف الائتماني عليها في التسعينات وبداية الألفية، حتى وصل الأمر إلى (قروض النينجا) وهذه لا تحتاج إلى راتب أو وظيفة أو أصول لرهنها، وتمنح بمجرد طلبها، ومن يتعثر في السداد يؤخذ عقاره، ولدرجة أن شركات مرموقة مثل غولدمان ساكس، صممت قروضاً استثمارية، وبطريقة تضمن تعظيم أرباحها كلما تعثر عملاؤها، والنتيجة كارثة عالمية، وخسارة البورصة الأميركية لثمانية تريليونات، من أصل سبعة عشر تريليوناً، وسحب المنازل من عشرة ملايين عائلة أميركية، لأنها لم تستطع إكمال دفع الأقساط، ولا أحد يرغب في كابوس عالمي مشابه. متوسط الدورة العقارية يمتد من 17 إلى 19 عاماً، وارتفاع الأسعار فيها يصل لمدة 12 عاماً، وفي المقابل لا يعمر الانخفاض أكثر من سبعة أعوام، وهذه الأرقام مثبتة بالتجربة والدراسة، ولا زالت مستقرة ومعترفاً بها منذ مئتي عام، ويوجد على المستوى المحلي ارتباط واضح بين أسعار النفط والعقار، فكلاهما يتأثر بالآخر، ويسهم القطاع العقاري بنحو 6 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبما نسبته 13 % من إجمالي الموارد غير النفطية، وقيمة سوق العقارات في العالم وصلت إلى 200 تريليون دولار. الشخص الذي كان يحصل على قرض سكني بقيمة 267 ألف دولار، ونتيجة للارتفاع الحالي في أسعار الفائدة، يسدد أقساطاً بقيمة 640 ألف دولار على عشرين عاماً، وقبل الزيادة لم يكن يدفع إلا 427 ألف دولار، والتمويل السكني السعودي للأفراد، تراجع بنسبة 55 % في مارس من العام الحالي مقارنة بذات الشهر في 2022، وهو يمثل أدنى مستوياته منذ ديسمبر 2018، أو في الخمسة أعوام الأخيرة، ما يفسر الارتفاع في قيمة فوائد القروض، ولعل التراجع عنها أو تقليصها، سيجبر ملاك العقارات، من خارج وداخل المنظومة الحكومية، على خفض أسعارهم، ويجب أن يتم التأكد من جودة البنية التحتية لمشاريع الإسكان، قبل استلامها، وعدم الاهتمام بمظهرها الخارجي، فقد أثبتت السوابق أن الإهمال وارد، ومن الأمثلة، أن الكود السعودي موجود منذ 2007، ولكنه لم يفعل إلا في 2021، وظل حبيس الأدراج لمدة 14 عاماً، إلا أنه وبمجرد إقراره تراجع إصدار رخص البناء بنسبة 75 %.