يشهد الحرم المكي الشريف خلال هذه الأيام ذروةً استثنائية في أعداد الزوار والمعتمرين، حيث امتلأت أروقته وساحاته بجموع المسلمين الذين توافدوا من داخل المملكة وخارجها تزامناً مع إجازة الخريف الدراسية، ما جعل المكان ينبض بالحياة الروحية والحركة البشرية الدؤوبة. وعلى الرغم من الازدحام اللافت، يسير كل شيء بانسيابية عالية بفضل منظومة تنظيمية متكاملة تبذل جهداً عظيماً لإدارة هذا التدفق الكبير، بقيادة قوة أمن الحج والعمرة ورئاسة شؤون الحرمين والجهات الصحية والخدمية والبلدية، في تناغم يعكس مستوى متميزاً من الجهوزية والخبرة. ومن أبرز عناصر هذا النجاح قرار تخصيص صحن المطاف للمعتمرين فقط، الأمر الذي منح الطواف انسيابية كبيرة وحمى المعتمرين من التداخل والازدحام، كما خُصص سطح المسجد الحرام للطائفين غير المعتمرين، في توزيع ذكي للحركة قلّل الضغط من قلب المطاف، وسمح لكل فئة بأداء عبادتها دون تعطيل أو إرباك، وامتد هذا التنظيم الدقيق إلى السعي والممرات والمصليات، حيث وضعت مسارات واضحة تمنع التكدس وتضمن حرية الحركة. ولخدمة كبار السن والمرضى ومن يحتاجون إلى دعم إضافي، انتشرت عربات "الجولف" التي تنقل المعتمرين بين مناطق الطواف والسعي، بإشراف فرق تشغيل مدربة تعمل على مدار الساعة، مما جعل الرحلة أكثر سهولة وأقل جهداً للمستفيدين. وفي قلب هذا المشهد العظيم يبرز حضور نسائي متزايد وفعّال، لا سيما من خلال فرق الأمن النسائي، اللاتي يقمن بدور مهم في تنظيم حركة النساء داخل الحرم والساحات والممرات والمصليات، ويتعاملن مع المواقف الطارئة أو الحالات التي تتطلب خصوصية بالغة، ويظهرن في مواقع عديدة بدوريات مستمرة، يقدمن التوجيه والإرشاد، ويفضّلن التكدسات في مناطق النساء، ويحافظن على سلامة الحركة في أوقات الذروة حين يبلغ الازدحام أعلى مستوياته، حضور الأمن النسائي لم يعد مجرد عنصر مكمل، بل أصبح ركناً أساسياً في الحفاظ على انضباط الحشود النسائية وتعزيز الشعور بالأمان والراحة. وتقدم وكالة شؤون الحرمين النسائية جهوداً كبيرة تعزز التجربة الروحية والتنظيمية للمعتمرات والزائرات، وفرق الوكالة تعمل على الإشراف على المصليات النسائية، وتنظيم دخول وخروج الزائرات، وتقديم الإرشاد الديني والخدمات التوعوية، إضافةً إلى جهود العناية بنظافة المواقع النسائية وتوفير بيئة هادئة تسهم في أداء المناسك براحة وطمأنينة، وتقدم الوكالة برامج دعم ميداني تشمل التوجيه والإرشاد والتعامل مع الحالات الإنسانية، ما يجعل وجودها جزءاً مهماً من منظومة الخدمة داخل المسجد الحرام. ويتكامل دور الأمن النسائي ووكالة شؤون الحرمين النسائية مع جهود المتطوعين والمتطوعات الذين ينتشرون في مواقع مختلفة داخل الحرم، يقدمون العون في توجيه الزوار وتسهيل حركتهم، ويساعدون كبار السن، ويوزعون المياه، ويتعاملون مع الحالات الميدانية البسيطة، ويرشدون التائهين، هذا الحضور التطوعي يعكس روح التكافل التي تميز خدمة ضيوف الرحمن، ويضفي على المكان بعداً إنسانياً يعزز قيمة العمل التطوعي الذي أصبح جزءاً راسخاً من منظومة التنظيم داخل الحرم. وفي أوضاع الزحام الشديد، تظهر براعة القطاعات الأمنية في إدارة الحشود وتنسيق الحركة عبر الممرات والبوابات والساحات. يعمل رجال الأمن ونساؤه جنباً إلى جنب على تنظيم مسارات الدخول والخروج، ومنع التدافع، وتوجيه الزوار إلى المناطق الأقل ازدحاماً، مع حضور مستمر لفرق الهلال الأحمر الإسعافية النسائية والرجالية التي تتعامل مع الحالات الطارئة بسرعة ودقة، مما يُشعر الزائر بأن هناك مظلة حماية متكاملة تحيط به في كل خطوة داخل الحرم الشريف. ومع امتداد هذا العمل على مدار الساعة، يتحول المسجد الحرام في الليل إلى لوحة مهيبة تتداخل فيها روحانية المكان مع انضباط الحركة، حيث تستمر الجهود بالوتيرة نفسها دون كلل. وتتوزع الفرق الميدانية في نقاط مدروسة بدقة، بينما تعمل أنظمة التوجيه الصوتي والمرئي على تعزيز الوعي بين الزوار، وتذكيرهم بالمسارات والتعليمات التي تساعد على استدامة الانسيابية. وفي المجمل، تعكس هذه المنظومة المتكاملة المستوى الرفيع الذي وصلت إليه المملكة في إدارة الحشود في أكثر المواقع ازدحاماً وقدسية في العالم. إن ما يشهده الحرم المكي هذه الأيام ليس مجرد تنظيم ناجح، بل شهادة على قدرة الدولة على دمج الحداثة والخبرة والإنسانية في خدمة ملايين الزوار، لتبقى رحلة العمرة تجربة روحانية آمنة يسودها السكينة والثقة، بفضل رجال ونساء حملوا شرف خدمة ضيوف الرحمن بكل إخلاص واقتدار. الحرم شهد تزايداً في أعداد الزوار والمعتمرين