في ليلة من ليالي الثقافة السعودية التي تكتب حضورها في ذاكرة الأجيال، تُوِّج الفنان محمد عبده بجائزة «شخصية العام الثقافية» ضمن مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية 2025، التي نظمتها وزارة الثقافة في دورتها الخامسة بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض. جاء هذا التكريم تتويجاً لمسيرة فنية استثنائية امتدت لأكثر من ستة عقود، أسهم خلالها بصوته وألحانه في بناء هوية فنية سعودية وخليجية وعربية، جعلته يستحق بحق لقب «فنان العرب»، فمنذ انطلاقته في ستينات القرن الماضي، لم يكن محمد عبده مجرد مطربٍ، بل مشروعاً فنياً حمل الأغنية السعودية من حدودها المحلية إلى فضاءات عربية وعالمية، صوته العذب وقدرته الفريدة على المزج بين الكلمة العميقة واللحن الأصيل، جعلت من أغنياته جزءاً من الذاكرة الجماعية، حاضرة في الأذهان والمناسبات والذكريات، لذلك لم يكن غريباً أن ترافق أعماله المحافل الكبرى والمناسبات الوطنية، لتصبح أناشيد للحب والفخر والانتماء. بأغنياته التي طافت المسارح من القاهرة إلى باريس، ومن بيروت إلى لندن، استطاع محمد عبده أن يرسخ مكانة المملكة على الخريطة الفنية العالمية، فكل لحن قدّمه كان يحمل هوية سعودية متجذرة في الأصالة، وفي الوقت نفسه منفتحة على آفاق الحداثة، مما أسهم في رسم ملامح مدرسة فنية متفردة ألهمت أجيالاً من الفنانين داخل المملكة وخارجها. لا تقتصر أهمية جائزة «شخصية العام الثقافية» التي حصل عليها محمد عبده على كونها تقديراً لمسيرته الغنائية فحسب، بل تعكس أيضاً حجم تأثيره العابر للزمن والجغرافيا، فهي جائزة تؤكد أن الفن جزء أصيل من الثقافة، وأن الفنان الذي يبدع في مجاله لا ينفصل عن حركة الوعي الثقافي للمجتمع، بل هو جزء من لحظة تعكس التقاء الذاكرة الوطنية بالاعتراف الرسمي، حيث تحتفي المملكة بأحد أعمدتها الإبداعية الذي قدّم لها صوته وصورته وفنه طوال عقود. ومن خلال مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية، تثبت وزارة الثقافة التزامها بالاحتفاء بالمبدعين في شتى المجالات، من الأدب والفنون البصرية إلى المسرح والموسيقى، لتجعل من هذه الجوائز مظلة تحتفي بالتنوع الثقافي السعودي، وفي الدورة الخامسة لهذا العام، أكدت الوزارة أن التكريم لا يقتصر على الأسماء الجديدة الواعدة، بل يشمل أيضاً الرموز الذين صنعوا تاريخاً ومجداً ثقافياً وفنياً، مثل محمد عبده الذي يشكل موسوعة فنية عالقة في وجدان المجتمع السعودي والعربي. إن منح محمد عبده هذه الجائزة هو بمثابة رسالة أمل للشباب، بأن الفن الأصيل الذي ينطلق من الجذور ويواكب العصر هو الطريق نحو الخلود الفني، كما أنه إعلان بأن وزارة الثقافة ماضية في تمكين الثقافة السعودية من الحضور في العالم، والاعتراف بمبدعيها كجزء من الإرث الإنساني المشترك. وهكذا، لا تُختتم مسيرة محمد عبده بجائزة جديدة بقدر ما يُضاف إلى رصيده وسام يختصر سنوات من العطاء، فهو الفنان الذي غنّى للحب والوطن والإنسان، وأعاد تشكيل وجدان أجيال متعاقبة، ليبقى صوته حاضراً في اللحظة، ومُلهماً للمستقبل، ومكرَّماً اليوم ك «شخصية العام الثقافية» في وطن يحتفي بمبدعيه تحت مظلة رؤية السعودية 2030.